لا حوار قبل وقف الحرب… ولو استمرّت حتى انتخابات أميركا

 نصرالله يثبّت «التلازم» بين جبهتَيْ لبنان وغزة

في موازاة استمرار العدو الإسرائيلي بإطلاق تهديداته ضد لبنان، أعاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تثبيت المعادلة الأهم في المعركة وهي تلازم مسار الجبهة الجنوبية مع جبهة غزة. وأغلق نصرالله الباب على كل النقاشات والطروحات التي سوّقها الجانب الأميركي ومعه وسطاء آخرون عن احتمالية الفصل وانسحاب المرحلة الثالثة – مهما كان شكلها – وقفاً لإطلاق النار في الجنوب، بالتأكيد على أن «جبهة الإسناد ستبقى مفتوحة مهما كان شكل العدوان على غزة».ولم تكن الرسائل التي وجّهها نصرالله، مجرد تأكيد على مواقف ومعادلات، وإنما تتصل أيضاً بالمتغيّرات التي تشهدها جبهتا غزة ولبنان، وما تستبطنه من احتمالات تصعيدية في ضوء الخيارات التي يلوّح بها العدو. لذلك، فإن أهمية رسائل خطاب عاشوراء تنبع من سياقها وتوقيتها، وهي أتَت أيضاً في أعقاب تقدير وضع لواقع ومستقبل التطورات وما ينبغي القيام به لمواجهة التحديات والمخاطر المحتملة وربما بعضها مرجّح.

يأتي تأكيد السيد نصرالله على عدم السماح بالاستفراد بالمقاومة في قطاع غزة وأهلها، في محطة مفصلية تمر بها التطورات الميدانية والسياسية، نحو اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب على غزة، أو الإعلان عن الانتقال الرسمي إلى المرحلة الثالثة. فإن تحقّق الأول، فقد يكون المطلوب تأمَّنَ، وإن استمر العدوان الإسرائيلي بغضّ النظر عن العناوين التي سيتم إدراجها ضمنها (المرحلة الثالثة) فإن جبهة لبنان لن تتوقف كما أكّد نصرالله.

وبموجب هذين السيناريوهين فإن العدو يرى أن عليه نقل الضغوط السياسية والتهويلية، على الأقل، باتجاه لبنان، كما أصبح واضحاً من مواقف قادته وكما يؤشر إلى ذلك مسار التطورات. في ضوء ذلك، أتت رسائل نصرالله، ضد العدو في حال قرر العدو الذهاب إلى ما هو أبعد من التهويل بنسبة أو بأخرى. فأوضح أن «التهديد بالحرب لم يُخفنا منذ عشرة أشهر، ولم نتردّد ولم نتراجع ولم نتوقف، واليوم نُعيد ونؤكد في ‏يوم العاشر أنّ جبهة إسنادنا ستستمر ما دام العدوان مستمراً على غزة، ولن نتوقف على الإطلاق». بينما توالت التحذيرات من نيويورك على لسان كل من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي ذكّر بـ«العواقب الكارثية التي ستطرأ في ظلّ أي تصعيد إسرائيلي تجاه لبنان، أو أي اجتياح إسرائيلي للبنان، مُنَبّهاً من توسّع رقعة الحرب لتصبح حرباً إقليمية»، مشيراً إلى «أهمية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وفي جنوب لبنان، مُثنياً على مساعي وجهود الوسطاء الدبلوماسية»، ومؤكداً على التزام لبنان بالمبادرات والحلول التي تهدف إلى خفض التصعيد، وتعزيز الأمن والسلم الإقليمييْن». كذلك كان تأكيد وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري أن «مغامرة لكيان العدو الصهيوني ضد لبنان ستُقابل بردّ حاسم من دول المنطقة والعالم».

أما على المستوى العملياتي، فقد توعّد نصرالله، العدو في حال تماديه في استهداف المدنيين، بأن المقاومة ستضرب مستعمرات ‏لم يتم استهدافها سابقاً. ‏وهو قرار تدرك قيادة العدو جديته، ما سيؤدي حتماً إلى اتساع نطاق التهجير عند المستوطنين. وهو تحدّ يجعل العدو أمام خيارين: إما الالتزام بالقواعد، أو الردّ المضاد الذي يستدرج أيضا رداً إضافياً من المقاومة. كذلك تناول نصرالله سيناريو ميدانياً آخر، تمثّل بإمكانية التوغل البري لجيش العدو، وهو خيار مفتوح على احتمالات متعددة من حيث الهدف السياسي والعسكري، لذا أعلن نصرالله أنه إذا «جاءت دباباتكم إلى ‏لبنان وإلى جنوب لبنان لن تُعانوا من نقص في الدبابات لأنّه لن تبقى لكم دبابات».

وفي جانب آخر، كان لافتا نفي نصرالله، وجود اتفاق على ترتيب الوضع في الجنوب، ناسفاً كل الكلام عن اتفاق إطار كما يروّج المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين. وهو ما وجدت فيه مصادر بارزة «إفراغاً لكل التسريبات الأميركية والغربية من مضامينها، خاصة تلكَ التي تتحدث عن اتفاقات منجزة مع الرئيس نبيه بري». وكان نصرالله واضحاً، بأنه لا مجال لإعطاء أحد أي ورقة قبل انتهاء الحرب، مع التذكير بأن الجملة الوحيدة التي سمعها هوكشتين من المسؤولين الرسميين أن «لا كلام عن اتفاقات قبل انتهاء الحرب في غزة»، رغمَ محاولة هوكشتين الاستفسار في أكثر من مرة عما يُمكن أن يرضى به الحزب أو يرفضه.

ويرتبط كلام نصرالله بحسب المصادر بالتطورات الحاصلة في الولايات المتحدة الأميركية على صعيد الانتخابات الأميركية، وبالتالي تعلم المقاومة أن أي اتفاقات حالية قد تُنسف في حال تغيير الإدارة الحالية، خاصة أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب حتى موعد الانتخابات. والنقطة الأهم في هذا السياق، وفقَ ما تشير المصادر هو القول بأن الدولة اللبنانية هي المخوّلة بالتفاوض كما حصل خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وقد تعمّد نصرالله هذا الأمر لإيصال رسالة بأن «التفاوض يرتبط حصراً بالجبهة ولا ينسحب على أي ملفات أخرى، وبالتالي فإن كل الجميع أن يتوقف عن ربط الملفات ببعضها، لأن الحزب غير معنيّ بالحديث عن أي مقايضة أو تسوية سياسية ربطاً بملف الجنوب».

(الأخبار)