برعاية نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب احيا المجلس اليوم التاسع من محرم في مقره بحضور حشد من علماء الدين والشخصيات والفعاليات السياسية والنيابية والقضائية والاجتماعية والإعلامية والمواطنين.
وبعد تلاوة اي من الذكر الحكيم للمقرىء احمد المقداد، قدم الاحتفال الدكتور غازي قانصو فقال:
الإمامُ الحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ، إمامٌ عَظِيمٌ تَعَدَّدَتْ مَنَاقِبُهُ وَبَرَزَتْ فَضَائِلُهُ. تَمَيَّزَ بِعِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، فَكَانَ مُدْرِكًا لِأَسْرَارِ العَقِيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ، جَامِعًا بَيْنَ عُلُومِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مُدَافِعًا عَنْ الأَصْفِيَاءِ، لَا سِيَّمَا مِنْهُمْ الْعَامِلِينَ الْمُخْلِصِينَ، يُعِينُ الْفُقَرَاءَ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَيُحنُّو عَلَى الْأَرَامِلِ وَالأَيَتَامِ، وَيُثْلِجُ قُلُوبَ الْوَافِدِينَ عَلَيْهِ، وَيَصِل رَحِمَهُ دُونَ انْقِطَاعٍ، وَلَمْ يَصِلْهُ مَالٌ إِلَّا فَرَّقَهُ وَأَنْفَقَهُ وَهَذِهِ سُجِيَّةُ الْجَوَادِ الْكَرِيمِ وَسَمَةُ ذِي السَّمَاحَةِ الْحَلِيمِ. إِذَا حَدَثَ حَدَّثٌ عَنْ عِلْمِ الِانْبِيَاءِ وَالأَوْصِيَاءِ، وَإِذَا وَعَدَ أوفى عَهْدَهُ وَوَعْدَهُ، آمَنَّا بِهِ مَعْصُومًا مُنْذُ التَّكْوِينِ كَجَدِّهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَالأَئِمَّةِ التِّسعةِ مِنْ بَنِيهِ، عَلَيْهِمْ جَمِيعًا أَفْضَلَ الصَّلاَةِ وَأَتَّمَ التَّسْلِيمِ.
أَمَّا قُوَّتُهُ وشجاعتُه وتضحيتُه، فَتَجَلَّتْ فِي مَوَاقِفَ كَثِيرَةٍ، أَبْرَزُهَا قَاطِبَةً فِي كَرْبَلَاءَ حَيْثُ صَمَدَ أَمَامَ جَيْشٍ جَرَّارٍ بِقِلَّةِ النَّاصِرِ وَكَثْرَةِ الأَعْدَاءِ، فَلَمْ يَهِنْ أَوْ يَسْتَكِنْ. كَانَ نَبِيلَ الْوِجْدَانِ، وَسَلِيمَ الْجَنَانِ، عَاكِفًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ، لَمْ تَفْتِنْهُ الدُّنْيَا وَلَمْ يَأْخُذْهُ سُلْطَانٌ أَوْ جَاهٌ، بَلْ كَانَ إِمَامًا عَظِيمًا بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ شهيدا سيدا للشهداء.
والقى العلامة الخطيب كلمة جاء فيها: نختتم مجالس عاشوراء ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم هذه المشاركة لأهل البيت (ع) في مصيبتهم وإظهار الحزن عليهم، هذه المناسبة في الواقع هي مدرسة لنا نستعيدها في كل عام ولا تنتهي بانتهاء انعقاد هذه المجالس، وانما تبدأ بعد نهاية هذه المجالس، لأننا نقيم هذه المجالس لأجل هدف ليس طقساً لنميز به أنفسنا عن غيرنا، وليس تعصباً ولا عبثاً وانما لأننا نتخذ من آل بيت رسول الله (ص) النموذج في حياتنا نقتدي بهم وبسيرتهم ونتعلّم من مجالس عاشوراء التي تتعدّى أن تكون فقط موضوع المشاركة في الحزن، وهي مصيبة ليس كمثلها مصيبة، وإنما تتعدى هذا إلى نموذج في كثير من القضايا في جميع مجالات حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، لأن لها مضموناً ثقافياً عقائدياً نابعٌ من الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص) والذي هو وحي إلهي واستمرار لهذه المدرسة الالهية، مدرسة النبوة منذ أن خلق الله أول خلقه آدم ع على هذه الأرض، واختتم هذه المدرسة برسول الله محمد (ص) وأهل البيت وإذا كان رسول (ص) هو المسؤول عن تبليغ هذه الرسالة (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وإن كانت هذه الآية في خصوص التبليغ بولاية أمير المؤمنين حسب فهمنا ، ولكن مهمته هي تبليغ الرسالة ونشرها ، ونشر هذا النور الالهي المتمثل بالمعصومين من أهل بيته من وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى آخرهم الحجة ابن الحسن (ع) ،هم المسؤولون عن تنفيذ هذه الرسالة وعن تفسيرها وعن الدفاع عنها وتوضيح ما اشتبه فيها، و كل رسالة كل مدرسة لها نموذج في تنفيذ هذه الرسالة وفي تطبيق هذه الرسالة، في البيت النموذج للطفل في حياته الذي يأخذ منه ويتعلم هو أبواه (أمه وأبيه)، في المدرسة الإستاذ، وهكذا… في الإسلام أهل البيت (ع) هم هذا النموذج في تطبيق الإسلام وفهمه.
لذلك حينما نستعيد كربلاء في كل عام حتى تبقى وتستمر هذه النماذج في إعطاء الصورة الحقيقية للإسلام لكي لا تنسى، لأنه في التطبيق كما في تجربة المسلمين النماذج التي طبقت الإسلام هي لم تطبقه في الواقع ، وأعطت صورة مشوهة للدين، إذاً لا بد من وجود الحارس الأمين على هذه الرسالة وعلى مضمونها، و أن تكون دائما حاضرة أمامنا وفي الأجيال التي تأتي ، وهكذا يبقى الإسلام على صورته الناصعة وهي المهمة التي قام بها أئمة أهل البيت (ع)، والإمام الحسين نموذج من هذه النماذج الكبيرة، فهو علمنا كيف ندافع عن الدين و كيف نطبقه ، كيف نواجه الفساد و كيف نعمل للإصلاح، ولاسيما ان حياة الأمم تمر مراحل صعبة تحتاج إلى نموذج للفداء، يعطي الصورة الكبرى و الأنصع في التضحية، الأمة حينما وصلت إلى هذه المرحلة من حياتها وكاد يُقضى على الدين تصدى الإمام الحسين (ع) مع أهل بيته ومع أنصاره لهذه المهمة وقدم لنا هذا النموذج الرائع الذي يجب أن نحتذيه ويبقى في أذهان أبنائنا وأجيالنا كما بقي، وكما قامت هذه المدرسة بهذه المهمة على طول هذه الفترة منذ ما يقارب 1400 عاماً و كان أتباع أهل البيت (ع) يقومون بهذه المهمة في الفترات و المراحل الصعبة التي تعرّضت فيها الأمة وتعرضت فيها الدين للخطر وكاد أن يُقضى عليه. ومن هنا نعرف عظمة الإمام الحسين (ع) وعظمة هذه المدرسة التي أسسها وهي مستمرة وسوف تبقى مستمرة في حياتنا ، ولقد مررنا بمراحل متعددة وصعبة واجهتنا في عصورنا المتأخرة من حرب ثقافية كادت أن تقضي على ثقافتنا و على عقيدتنا وعلى وجودنا، من الذي انبرى لمواجهة هذه الموجات التغييرية الهادفة إلى القضاء على ثقافتنا والتي هي السد الأول في مواجهة أعدائنا في مواجهة أعداء الإنسانية، الذين نرى صورة منهم اليوم في هذا العالم الذي يدّعي الحضارة ويدّعي الإنسانية. نحن كقوم ننتسب إلى قومية أو إلى عصبية معينة، وهل هذا الذي يدفعنا إلى مواجهة أعداء هذه الأمة؟ أم أن ما نحمله من ثقافة وما نحمله من رسالة هي التي تدفعنا لمواجهة عدونا؟نحن أمة لم تبن وجودها على أساس اللغة ولا على أساس الانتماء العرقي، ولا على أساس الدم أو الجغرافيا، نحن أمة كما قال الله سبحانه وتعالى، (كنتم خير أمة أخرجت تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) وجودنا نابع من هذه القضية، لم يكن هناك أمة في الجزيرة العربية حينما أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برسالته لم يكن هناك أمة، كان هناك أمم، كل قبيلة هي أمة برأسها، والذي صنع من هذه الأمم ومن هذه القبائل المتعارضة المتنازعة المتقاتلة هو الإسلام، هو الذي صنع منها أمة، ولم يكن هدف الإسلام أن يصنع أمة عربية وإنما أمة إسلامية للعالم، كانت رسالة للعالم لأن الظروف التي كان يعيشها العرب في الجزيرة العربية هي نفس الظروف في أساسها التي كان يعيشها العالم، صحيح العرب لم يكن لديهم حضارة كما ذكرت، العالم كان لديه حضارة وكان هناك دول و أمبراطوريات كبرى (فارس و الروم وغيرها) ولكن المنطلق كان منطلقاً واحداً، والقيمة الكبرى عند العرب هي القبيلة و زعيمها ، والدفاع عن القبيلة هي القيمة وهي الدافع لهذا الوجود، اما الأمبراطوريات التي كانت موجودة فلقد كان الدافع إليها هو السيطرة والقوة، إذا القبيلة تدافع عن نفسها في مقابل القبائل الأخرى هي القيمة عندها، والدول الأخرى الدافع عندها، هي أنها تدافع عن نفسها وتبتغي التوسع، قيم إنسانية لم تكن موجودة، لهذا الإسلام هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وفي آية الأخرى ولو كره الكافرون.
اذاً، الاسلام رسالة عالمية لكل العالم لإنقاذ العالم جميعاً، والدولة هي وسيلة لهذه الثقافة ، لهذا نفرق ما بين الدولة وبين الرسالة، الدول ينبغي أن يكون لها رسالة تقوم بها، لكن الدول للأسف بعد وفاة رسول الله ص لم تحمل هذه الرسالة، الدولة أرجعت الأمر إلى ما كان قبل الإسلام للتنازع على السلطة ،قبائل تتنازع على السلطة، ومن أحق منا بخلافة رسول الله ونحن أهل بيته وكذابالاستناد إلى الروح القبلية، بينما الإسلام لم يقم على الروح القبلية، الإسلام قام على أساس القيم، والمفروض في الدولة أن تلتزم هذه الرسالة وأن تقوم بنشرها لنجاة العالم ولإخراجه من الظلمات إلى النور ، فهناك فرق ما بين الرسالة وبين الدولة، الدولة مهمتها حمل الرسالة ونشرها إلى العالم لتحقيق الإسلام ولتحقيق العدالة الإجتماعية ولرفع الظلم والعدوان، وهذه القيم من قبيل (الجار والأب والأخ والمظلوم وما شاكل ذلك من معانٍ)، هذه المعاني أعطاها الإسلام الأولوية في سلوك الشخص و في كيفية تربيته على المسؤولية اتجاه نفسه واتجاه ربه واتجاه أهله ومحيطه، فهو يحمل المسؤولية ابتداء من المسؤولية من الدائرة الصغيرة التي هي نفسه وعائلته إلى المسؤولية الكبرى إلى العالم إلى العناوين الكبرى من مواجهة الظلم ومواجهة العدوان.
هذه هي مهمة هذه المجالس، فهي دعوة للإصلاح الدائم لأن المجتمع يتعرض في حياته إلى الإنحراف نتيجة المصالح و الإعلام المعادي حيث تحصل الإنحرافات في المجتمع، هذه الإنحرافات من الذي يواجهها وكيف نواجهها؟ فإذاً، المجتمع بحاجة دائما لأن يصلح نفسه ويخرج العلامات السوداء من صفحته ويبيضها.
وعندما نستحضر ثورة الإمام الحسين (ع) فان هناك دائماً تجديد لمجتمعاتنا وإعطائه المادة والسلاح الذي يواجه به أعداء هذه القيم، وهناك دائماً أعداء لهذا المجتمع الذين تتضرر مصالحهم بالظلم بالعدوان بالإنحراف وبالشذوذ الأخلاقي، كل هذه المعاني هي دائماً متجددة، كما ان ثقافة المواجهة متجددة كذلك الثقافات الأخرى من ثقافة الفساد ونحوها هي ثقافة متجددة، لأن الإنسان مبني على غرائز وعلى مصالح وسرعان ما يهوي في خط الإنحراف ، وحينما لا يكون معبئاً بالثقافة التي تدفع به لمقاومة هذا الإنحراف يسقط وينزلق، هذا على مستوى مواجهة الثقافات المعادية ونحن كما ترون اليوم الثقافة المعادية لمجتمعاتنا بل للإنسانية هي ثقافة الهيمنة والاستحواذ، والخطر لا يقتصر على مجتمعاتنا الإسلامية وإنما تعدى ذلك إلى الخطر على الإنسانية جمعاء حينما نرى اليوم الإعلام العالمي وإعلام القوة العظمى للدول الكبرى والدول الغربية بالخصوص التي تتبنى اليوم ثقافة الإنحراف وثقافة الإنحلال وبث السموم والمشاكل والفساد في صفوف الشباب ، وتدمر المجتمعات بترويج المخدرات وبإثارة ثقافة الجنس وتعميم ثقافة الإنحلال الأسري، هذه من أكبر المشاكل التي تعترضنا اليوم والتي ينبغي ان نتصدى لها من خلال هذه المجالس التي قد تستمر في بعض البلدان الإسلامية إلى أربعين يوم وتبقى في بيوت المؤمنين مستمرة في كل مناسبة من مناسباتنا، حينما يكون هناك مناسبة حزن و عزاء عند اهلنا فالمتعارف ان يكون هناك مجلس عزاء ومجلس ذكر لأهل البيت(ع).
اذاً، المقصود من المجالس ليس فقط للتنفيس عن احزاننا وعن مشاكلنا وعن الضغوط التي نتعرض لها في حياتنا اليومية او في حياتنا الشخصية او في حياتنا العامة ، وإنما المقصود منها أن يكون دائماً أمامنا النموذج الذي نقتدي به وهذه المدرسة التي نتعبئ بها ثقافيا وإجتماعياً والتي من جملة هذه المسائل وهذه الاجتماعات وهذا الحضور بين المؤمنين والتواصل بين المؤمنين على حب الله سبحانه وتعالى وعلى حب رسوله وعلى حب دينه وعلى حب أهل بيته (ع) ونعبّر بهذه المجالس عن تمسكنا بهذا الخط، وعن تمسكنا بهذه الثقافة، وعن تمسكنا بمواجهة الظلم وبمواجهة الظالمين وبمساندة المظلوم (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين في الأرض) هذه الثقافة هذه المدرسة هي المقصود دائماً إحياءها ونشر هذه الثقافة بين أبنائنا والخروج من حالة التعصب التعصب العائلي العشائري التعصب الطبقي الى رحاب الاخوة الايمانية كما قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة)ـ و الخروج من هذه المشاكل التي نُبتلى بها في مجتمعاتنا من المشاكل الحزبية والتعصب الحزبي أن يتعصب هذا الفريق أو ابن هذا الحزب ضد أبناء الحزب الآخر، الأحزاب مهمتها هي الأخذ بيد المجتمع والارتقاء بثقافته وأن تعمل دائماً على وحدته ولا مانع من الانتماء الحزبي وأن تتنافس وتتسابق في ما بينها، لكن في هذا ان تتسابق في خدمة المجتمع لا في اثارة العصبيات فيما بيننا، وهي من اخطر الامور التي يُعمل عليها اليوم في مجتمعنا على اثارة الضغائن والمشاكل بين ابناء الصف الواحد، الذين يقفون اليوم والذين اتخذوا من الحسين ومن كربلاء شعاراً لهم في مواجهة هذا الظالم الذي يمثل الظلم العالمي المرعي من القوى الدولية الكبرى، المرعي من الغرب وهو العدو الاسرائيلي، حزب الله وحركة امل الذين يقفون اليوم معاً صفاً واحداً في مواجهة العدو الإسرائيلي ويستشهدون معاً وتقصف بيوتهم معاً ويُقتل أبناؤهم معاً ويُقتل شبابهم وأمهاتهم وأباؤهم معاً تحت البيوت المهدومة السقوف جراء هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم.
إذاً هذه من جملة فوائد إحياء عاشوراء ذكرى أهل البيت (ع) نحن نقف لهم بإجلال، وحدة الصف وحدة المجتمع وليس ضد الآخرين، نحن الشيعة حينما نحيي هذه المجالس لما لها من أهمية فيما ذكرت في جمع الصف وفي وحدة الثقافة في ثقافة الإبداع في مواجهة الثقافات الواردة التي تهدد وحدة مجتمعنا وثقافتنا ويراد لها الانتصار علينا.
لهذا نحن حينما نحيي عاشوراء لا نحييها في مواجهة الطوائف الأخرى والمواطنين الآخرين الذين لا ينتمون إلى نفس هذا النهج ، وإنما هذه المجالس تدعونا إلى أن نكون أكثر حباً وتقرباً وإلتصاقاً بقضايا شعبنا الذين نعتبرهم جميعاً لأي طائفة انتموا ولأي مدرسة انتموا هؤلاء شعبنا هؤلاء أهلنا، ولذلك هذه المدرسة ليست موجهة ضد احد ولا فيها تعبئة للعداء ضد احد من اللبنانيين ، واعتقد ان الكثيرين من اللبنانيين اصبحوا يعرفون هذه المدرسة ويعرفون هذا التوجه وان الشيعة في لبنان هم يؤمنون بهذه المدرسة ويؤمنون بعصمة أهل البيت ولهم ثقافتهمـ ولكننا في الاجتماع السياسي العام نحن مسلمون وتهمنا قضايا المسلمين، وحينما يتعرض المسلمون في أي مكان وفي أي مرحلة من المراحل إلى الخطر نحن المسلمون نتعرض لذلك، ونعتبر أنفسنا معنيون بهذا الخطر ومعنيون بالدفاع ليس بالفكرة فقط واذا اقتضى الأمر أن نحمل السلاح لحماية العالم الإسلامي والمسلمين المستضعفين حينما نستطيع سنقف إلى جانبهم كما نقف إلى جانب أي مظلوم في العالم، لأن القضية هي قضية مبادئ وقضية قيم ليست قضية عصبيات، نحن لا نؤمن بالعصبيات كما يقول رسول الله (ص): ” ليس منا من دعا الى عصبية” وقد قيل له: يا رسول الله هل من العصبية أن يحب المرء قومه؟ قال لا ولكن العصبية أن ترى شرار قومك خير من خيار قوم آخرين”، هذه الكلمة كبيرة وعظيمة ولها أبعاد مهمة جدا حينما يقول أن ترى شرار قومك خير من خيار قوم آخرين، يعني لا يوجه هذا الكلام إلى المسلمين وبين المسلمين ، وإنما بشكل عام يعني أن هناك فيكم أشرار وقد يكون في غيركم أخيار وفيكم أخيار وفي غيركم قد يكون أشرار، لذلك الموضوع أن هذه المدرسة هي مدرسة إنسانية هي فوق العصبيات القبلية والعصبيت الطائفية، هذه العصبيات الطائفية التي تزرع في لبنان بين أبناء الطوائف وانا أرى على وسائل التواصل الاجتماعي للأسف هناك عمل تحريضي دائم على إثارة المواضيع الطائفية والمواضيع المذهبية بين المسلمين وبين المسيحيين وبين المسلمين الشيعة وبين المسلمين السنة، هناك إثارات لمشاكل ولفتن داخلية نابعة من هذا التفكير الطائفي الذي زرعه هذا النظام في عقول أبنائنا على مرّ هذه السنوات، هذه المشكلة التي يعترف بها الجميع ولا يريدون الخروج منها بل يريدون تثبيتها والتأكيد عليها، وللأسف حتى بعض الطبقة المثقفة والمتعلمة هي منخرطة في كثير منها، وانا لا أعمم ولكن أكثر هذه الطبقة منخرطة في هذا الجو السياسي السيء الذي يراد منه تحقيق أحلام خارجية وليست أحلام وطنية، ليست أهداف داخلية هي أهداف مرتبطة بالحرب الكبرى التي توجه على مجتمعاتنا ومن جملتهم المسيحيون كما صُنع في الغرب، هذا الغرب الخبيث المادي الذي قضى أول ما قضى على المسيحية في الغرب وعلى القيم المسيحية في الغرب وهو الان يريد أن يقضي على القيم الإسلامية في عالمنا وعلى القيم الإنسانية كما ذكرت، لذلك نحن من ثقافة عاشوراء الثقافة الإنسانية الجامعة التي تعتمد هذه المبادئ مبادئ العدل واحترام الإنسان( ولقد كرمنا بني آدم) و مبدأ التواصي بالتوحد على القيم وعلى الأخلاق و على نشر الثقافة الصحيحة وعلى مواجهة الفساد.
نختتم هذا المجلس اليوم بهذه الملاحظات التي يجب أن نعمل عليها، هناك مسؤولية علينا كبيرة للمستقبل وأن نطبق هذه المبادئ حينما نحيي عاشوراء، ومن هنا في آخر أيام عاشوراء تبدأ مسؤوليتنا وأن هذه المعاني التي عشناها في مجالس عاشوراء وان شاءالله تكون قد أثّرت وهي تؤثر حتماً ولكن بنسب مختلفة لصناعة مجتمعنا وتجديد ثقافتنا وتعبئة قوانا في مقابل الأخطار الملمة بنا ثقافياً واجتماعياً وإقتصادياً في مواجهة أعدائنا والذين يريدون منا تحطيم هذه الطاقات الكبيرة الهائلة التي تبثها عاشوراء وتبثها مجالس عاشوراء.
واقول للخطباء الذين يرتادون هذه المنابر الحسينية، هذه المنابر الإسلامية علينا أن نكون أمناء لهذه الثقافة وألا يكون الحديث تنظيري فقط وإنما أن نحوله إلى سلوك يومي في البيت، في المدرسة، في الجامعة، في المصنع، في حياتنا المشاركة مع الآخرين، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم أجورنا وأجوركم وأن يعيده علينا وعليكم بالنصر إن شاء الله على كل المستويات، بالنصر على العدو الإسرائيلي وأن تثمر هذه الدماء الزكية التي تسفك على الحدود والتي تسفك في فلسطين في مواجهة الظلم العالمي، أن تثمر هذه الدماء نصراً مؤزراً لشعوبنا المظلومة وثقافة جديدة للعالم وتحولاً حضارياً إن شاء الله لمستقبل هذا العالم بهذا الاتجاه بالحفاظ على القيم التي استشهد من أجلها الحسين سلام الله عليه.
عظم الله أجوركم، السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يا يا ابن رسول الله، السلام عليك يا بن علي المرتضى، السلام على الائمة المعصومين، فهم نجوم في سمائنا هؤلاء النماذج الكبيرة الشخصيات الكبيرة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن نتحول جميعاً كلبنانيين أن نخرج من هذه الصيغة والعصبية الطائفية إلى رحاب الوطن، نحن نقدر كل هذا التنوع ونعتبره أنه ثروة وغنى للبنان كما قال الإمام السيد موسى الصدر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجح اللبنانيون في الخروج من هذا الوضع ومن هذا المأزق ومن هذه العصبيات الى رحاب الوطن والى رحاب دولة المواطنة.
وفي الختام تلا سماحة السيد حسين حجازي مجلس العزاء الحسيني.