لم يكن عنوان “عقد راية الصلح” الذي أطلق على الاجتماع الذي استضافته بلدة بيصور قبل يومين وجمع الزعيم الوطني وليد جنبلاط ورئيس الحزب “الديموقراطي اللبناني” الأمير طلال أرسلان سوى الصورة الاعلامية لهذا الاجتماع، فالغاية الحقيقية منه كانت للتأكيد أن أبناء طائفة الموحدين المسلمين الدروز هم موحَدون في الموقف من القضية الوطنية الأم وهي قضية فلسطين، على الرغم من كل ما اعترى العلاقة بين القطبين من اختلاف في وجهات النظر حيال المسائل السياسية الداخلية.
وإذا حمل اللقاء عنوان مصالحة عائلية ومناطقية، فالغاية الكبرى كانت لرص صفوف أبناء طائفة الموحدين الدروز وسد كل أبواب الانقسامات والتباينات التي حصلت في الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية الأخيرة واستمرت إلى اليوم، والتأكيد على الاجتماع في جبهة واحدة مرصوصة الصفوف على المستوى الداخلي، داعمة للقضية الفلسطينية وإلى جانب أبناء الجنوب في المحنة التي يمرون بها.
وإذا كان الزعيم الوطني وليد جنبلاط قد انتهج منذ العام 2009 مبدأ الوسطية، فإنه في الشأن الوطني والقومي يتقدم الصفوف كلها، اذ أعلن منذ اليوم الثاني لعملية “طوفان الأقصى” أنه مع “الشعب الفلسطيني ودمه فلسطيني”، كيف لا وهو نجل شهيد القضية الفلسطينية الأول المعلم الراحل كمال جنبلاط.
وفي المسألة الداخلية، وعلى الرغم من كل الخلافات التي وقعت مع الأمير طلال أرسلان في المسائل السياسية، والمناطقية التي شهدت وقوع قتلى وجرحى من الطرفين، إلا أن جنبلاط كان دائماً المبادر إلى طرح الخلافات جانباً خصوصاً بعد العام 2019 وأزمة جائحة كورونا حيث لم يفرق في المساعدات العينية والمادية التي قدمها بين أبناء الجبل الواحد إلى أي جهة سياسية أو مذهبية انتموا، وكان قد سارع إلى احتواء الأزمة الكبيرة التي نشأت جراء حادثة الشويفات ومن ثم قبرشمون، والبلد حينها كان منقسماً سياسياً بصورة عمودية، فكيف إذا كان يواجه اليوم مخاطر تفوق الانقسامات وتدفع باتجاه التضامن والوحدة؟
وكما كان جنبلاط الداعم الأول لطرح الحوار الذي بادر إليه صديقه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فإنه يلتقي بذلك مع موقف أرسلان الداعم للحوار أيضاً، وإذا كان الحوار المطلوب هو بين الفرقاء السياسيين المختلفين لغاية اليوم على “جنس” رئيس الجمهورية، فكيف لا يكون الحوار الداخلي ضمن طائفة الموحدين الدروز بعيداً عن نهجهما وفكرهما؟
وإذ أعربت مصادر اشتراكية عن أملها في أن يكون المشهد “التصالحي” الذي عقد في بيصور والذي كان منطلقه الحوار، رسالة إلى من يعنيهم الأمر وتحديداً رافضو الحوار، بما يمكن أن يتحقق في حال اجتمعت القوى السياسية حول طاولة حوار للبحث في المسألة الأهم وهي انتخاب رئيس للجمهورية.
وقالت المصادر لموقع “لبنان الكبير” إن دعوة الرئيس بري للحوار، والجولة التي انطلق بها رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط “إنما تهدف إلى التشجيع على الحوار الذي هو المبدأ والنهج الذي يعتمده اللقاء الديموقراطي والحزب الاشتراكي، ولا يمكن حل الخلافات والوصول إلى تسويات إلا من خلال التواصل والحوار”.
وشددت المصادر على أن “الحوار والتلاقي لا يعنيان بالضرورة الاندماج أي أن الخلافات الكبيرة توضع جانباً ومن ناحية الرئيس وليد جنبلاط فإن التلاقي مع الأمير طلال أرسلان لا يعني أنه يوافقه على مواقفه من ناحية الانتخابات الرئاسية على سبيل المثال، لكنه بالتأكيد في موقع واحد في ما يتعلق بمسألة وحدة الجبل والموقف الموحد من القضية الفلسطينية ودعم مقاومة حزب الله في الجنوب”.
بعدما بات من شبه المؤكد أن الانتخابات الرئاسية أصبحت مقيدة بانتهاء الحرب على غزة لأسباب واعتبارات معروفة، فإن الفترة الفاصلة عن نهاية هذه الحرب الهمجية، فرصة للبنانيين لكي يتلاقوا ويخوضوا حواراً منتجاً، والحوارات الماضية أنتجت رئاسة في العام 2008، وفي العام 2016، وهي بالتأكيد ستنتج رئيساً إذا التأم المتحاورون حول طاولة في العام 2024، وعسى أن لا تطول المدة لأن الرئاسة في الثلاجة وقد يصبح من الصعب إذابة الجليد إذا استمر طويلاً.
صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير