من خزان وخزانة جميل نعمة*

النقيب العزيز.. و”سفرة باريز”

حين وصلتني دعوة إحدى الشركات الفرنسية لزيارة باريس، لم أنم ليلتها.. كيف أنام وقد ملأت مخيّلتي مشاهد المدينة العاشقة: الشانزليزيه، برج إيفل، وطبعاً المولان روج والليالي الحمراء.

وعلى سيرة طيران النوم من العيون، كان نقيب المحررين ملحم كرم، رحمه الله، لا ينام.. فأحياناً أوصله إلى منزله في الثالثة فجراً (كنت أعمل حينها في جريدة البيرق التي يملكها)، ولا نكاد نقول إنه غطّ في نوم عميق، حتى يغطّ علينا عبر اتصال مفاجىء.. ليسأل عن خبر حول عملية اغتيال، أو مصير إحدى الطائرات المخطوفة؟!

قبل يومين من السفرة الموعودة، إتصل حامي حمى النقيب، الزميل الحبيب جورج سعد، ليخبرني بأن ملحم كرم يودّ التحدث إليّ.. فإذا به يبادرني بلهجته المحبّبة: “إيييييييه يا جميل.. ناطرينك بعد بكرا فيه انتخابات النقابة”. أسقط في يدي ورجلي.. وأصبت بذهول وأفول.. فالإنتخابات في اليوم الموعود للسفر.. وحين حاولت أن أشرح له أنني مسافر إلى باريس في اليوم نفسه، أجابني بالحرف: “أجّل السفرة.. نحنا بحاجة إلك”..

وبما أن جميع الأعذار لم تفلح في إقناعه، ساورني الشك بأن المعركة الانتخابيّة التي يخوضها محتدمة وشرسة، وأنه “مزنوق” يواجه خصماً عنيداً، ولا بدّ من أنّ أعداءه يحاولون إزاحته عن معقله الذي صمد فيه أكثر من 40 سنة؟! وأنه بحاجة فعلاً إلى صوت “من غيمة”.. فقررت أن ألبّي طلبه مهما كلف الأمر..

أرسلت فاكساً عاجلاً إلى الشركة التي دعتني، تمنّيت فيه تأجيل موعد الرحلة ولو ليوم واحد.. فلا أخيّب ظنّ النقيب بي وأنقذه من هذه الورطة، ولا أخسر بالتالي السفرة.. وانتظرت الرد!

عندما دلفت إلى قاعة النقابة لكي أدلي بصوتي، بادرني النقيب المتمترس خلف صندوقة الإقتراع بصوت سمعه كل الزملاء: “زميلنا جميل أجّل سفرتو عَ فرنسا حتى يجي يصوّت”.. شعرت عندها باعتزاز وفخر، وأيقنت أن صوتي هو الذي سيحسم المعركة التي ستشارك فيها مئات الأصوات.. لكن ما هي إلاّ دقائق حتى علمت من أحد الزملاء، أن النقيب الحبيب فاز بالتزكية قبل تحديد موعد الإنتخابات؟! لأنه من دون أيّ منافس أصلاً؟! وكان بإمكانه أن يستغني تماماً عن إجراء هذه الإنتخابات؟! وما تشديده على حضور كل إعلامي إلاّ محاولة منه لرفع عدد الأصوات التي تصبّ لصالحه؟!

لا بدّ من القول، أن الأصوات التي صبّت لصالح النقيب “حلّقت” وبلغت 99,99% أسوة بالاستفتاءات الشهيرة في البلدان العربية.. فيما “حلّقت” طائرة باريس من دوني.. لأن الشركة الداعية لم تتمكن من تغيير برنامجها..

فاز نقيبنا العزيز.. أما أنا فخسرت رحلة باريز.. وتلاشى الحلم اللذيذ..

جميل نعمة

صحافي