إن لبنان هو بلد مقاوم، وابناؤه جميعا هم مقاومون. من لا يقاوم بالسلاح يقاوم بطريقة أخرى مختلفة، والنتيجة ثبات الوطن في وجه التحديات التي تتتالى عليه كالسيل الذي لا ينقطع، والذي لشدة زخمه يفل الرواسي ويثلم جلاميد الصخور ويحفر فيها عميقا.
وبرغم الهجرة الكثيفة الطوعية والقسرية لشبابنا إلى البلدان القريبة والبعيدة سعيا وراء عمل يوفر لهم العيش الكريم فإن هؤلاء هم شديدو التعلق بلبنان ويعضدونه بمقاومة معنوية ،حضارية، ومادية تساعده على البقاء والاستمرار وتمنع تفككه وانحلاله
ويبدو ذلك جليا بإعداد هؤلاء الذين أموا ربوعه لقضاء عطلة الصيف فيه، وكان بامكانهم أن يمضوا هذه العطلة في بلدان ذات وجهة سياحية رائدة في أوروبا او الاميركتين،توفر لهم سبل الراحة والترفيه بكلفة أدنى،وجودة عالية.
إن هذه الكثافة غير المعهودة في توافد شبابنا هي رسالة قوية ومباشرة لإسرائيل التي هددت بإعادة لبنان إلى العصر الحجري وان قصفها البشر والمواشي والحجر لا يفل من عزيمة اللبنانيين ،ولا يحول دون عودتهم إلى الربوع التي فيها ولدوا ونشأوا قبل أن يضطرهم اضطراب الوضع السياسي، والتدهور المالي والاقتصادي إلى مغادرتها دون أن يغادرهم الحنين الدائم إليها.
بعين الغيظ والحقد تنظر إسرائيل إلى شبابنا الذين نفحوا روح الحياة في الوطن الجريح،المسلوب، المنهوب، الذي تواطأت الدولة ومصرف لبنان والمصارف على ابتلاع ودائعه، في حين أن شبابها يلوذون إلى الفرار ويضعف إيمانهم بدولتهم العنصرية القائمة على الابادة ونفي آلاخر وسلب الحقوق. الوجه آلاخر للمقاومة اللبنانية يتبدى في المهرجانات الفنية والغنائية التي يحييها كبار الفنانين العرب والعالميين الذين لم يبادروا إلى إلغاء حفلاتهم، بل عبروا عن سعادتهم بالمجيء إلى وطن الارز وأحياء إحتفاليات الفرح. لم تخف هؤلاء تهديدات إسرائيل ولا دعوة السفارات رعاياها إلى مغادرة لبنان او توخي الحذر.
إنها الكيمياء اللبنانية الجاذبة التي لا يمكن اجتناب تأثيرها. لبنان وطن الحياة، الذي يتقبله ابناؤه كما هو بكل تناقضاته، وتنوع مجتمعه وتقاليده ،هو أيقونة في اعناق ابنائه الذين يحبونه ويكنون الولاء له على تباين عقائدهم الدينية والسياسية. بقي أن نقول ان ما ينغص عودة اللبنانيين الشباب إلى ربوع الوطن، هو جشع أصحاب المطاعم، المرابع الليلية،والمحال التجارية، والسوبرماركات،والخدمات الصحية ولاسيما الاستشفائية، حتى بات لبنان في موقع متقدم جدا على لائحة البلدان الأغلى في العالم. ولكن برغم هذا الواقع،فإن اللبنانيين قرروا إطلاق مقاومة مدنية،حضارية، لاسقاط الرهان الاسرائيلي برؤية لبنان بلدا مشلعا، مدمرا، عاجزا عن النهوض، معدوم الحياة. ويبقى لبنان وطن الشهادة والفرح، والمقاومة المتعددة الأوجه. انه الوطن الذي لا يموت.
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة اللبنانية