نجوى ابي حيدر ـ المركزية
سجل المشهد السياسي الدولي الاسبوع الفائت ثلات محطات ذات دلالات مهمة في مجال اتجاه الرأي العام الدولي نحو الاعتدال والوسطية ورفض التطرف ، من اي جهة اتى. من بريطانيا التي خسر فيها المحافظون امام حزب العمال للمرة الاولى منذ 14 عاما، الى فرنسا حيث مَنَّ اقصى اليمين النفس بالفوز بعد انتصاره في الجولة الانتخابية التشريعية الاولى، فسقطت احلامه دفعة واحدة بحلوله ثالثا في جولة الامس. اما ايران التي قتل رئيسها المحافظ ابراهيم رئيسي بتفجير مروحية كانت تقله ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان من اذربيجان الى طهران، فانتخب شعبها، المرشح الاصلاحي مسعود بزشيكيان بفوزه على سعيد جليلي مرشح المحافظين والمقرب من المرشد الاعلى للجمهورية علي خامنئي.
وفي انتظار ما ستفرزه نتائج الانتخابات الاميركية ولمن ستؤول الرئاسة ، تتوقف اوساط دبلوماسية غربية عبر “المركزية” عند المؤشرات التي حملتها العمليات الانتخابية في الدول الثلاث لتؤكد اتجاه العالم وتوقه الى الاعتدال بعيدا من التطرف الذي لم يجنِ منه سوى الحروب والقتل والدمار. الا انها تستطرد مؤكدة ان ما افرزته الانتخابات الايرانية لا يشبه نتائج الانتخابات الفرنسية والبريطانية ، أقله في المضمون وليس في الشكل. ذلك أن فوز بزشكيان، ولو اعتبر البعض انه فاجأ المرشد، فهو فاز بأصوات غير فارسية لأنه من اصول آذرية تركية وكونه عُرف بانتقاده للحكومة خلال الحركة الاحتجاجية الواسعة على خلفية مقتل مهسا أميني منذ عامين ، لا يشكل انعكاسا للديموقراطية في الجمهورية الاسلامية ، ولا يصيب النظام في الصميم، حتى ان فوزه على غريمه المتشدد سعيد جليلي ، لا يمثل انتصارا للمعارضين. فهو للتذكير تعهّد في مرحلة سابقة باحترام قرارات المرشد مما فتح له الباب نحو الرئاسة وصولا الى انتخابه، والا وخلاف ذلك لما سُمح له بالترشح اساسا ، خصوصا بعدما رُفض ترشحه في انتخابات سابقة. شأن يعني عمليا ان فوزه جاء ربما بقبة باط من المرشد والنظام في اطار رسالة مزدوجة يوجهانها الى الغرب والعالم، تتصل الاولى بالداخل لإراحة المعارضين ومنع تجدد الاضطرابات في الشارع والثانية بالتحولات الجذرية في المنطقة في اعقاب حرب غزة وما افرزت من تحولات قد تقود الاقليم الى تسوية كبرى لا يمكن لايران مجاراتها برئيس متشدد انما اصلاحي، ولو شكلا، يتولى قيادة التفاوض مع الغرب في مرحلة التسويات ونوويا مع الولايات المتحدة الاميركية عبر سياسة الانفتاح وفتح صفحة جديدة في شأن الملف النووي مع ادارة بايدن الليّنة خلافا لسياسات الجمهوريين التي لطالما واجهتها ايران برؤساء متشددين، وتسليف الرئيس الاميركي الحالي ورقة قوية في الانتخابات الرئاسية قد تساعده للفوز بولاية جديدة ، من خلال تقديم تنازلات ، خشية فوز خصمه دونالد ترامب المعروف بعدائه لايران واستئناف حربه عليها ونسف الاتفاق النووي بعدما انسحبت اميركا من اتفاق الخمسة زائد واحدا في عهده .
الا ان الأوساط الدبلوماسية تشير الى ان بايدن، لاسيما بعد المناظرة التلفزيونية وجها لوجه مع خصمه دونالد ترامب، يخشى تداعيات اي اتفاق مع ايران، ولو كان اتفاق اطار، على العملية الانتخابية، لذلك يفضل تأجيل التفاوض الى ما بعد الانتخابات، ان فاز. ذلك ان ترامب ينتظره على”كوع الشرق الاوسط” وتخلي ادارته عن دعم اسرائيل وتزويدها بالسلاح.
على اي حال، تلعب طهران ورقتها بمخاطبة واشنطن برئيس اصلاحي على غرار ما فعلت مع الرئيس السابق حسن روحاني، مع ضمان ضبط بزشكيان، جراح القلب المُتَدَين تحت مظلة المرشد وسياساته الداخلية والخارجية، فهو في حملته الانتخابية لم يطرح أي تغييرات جذرية في النظام الديني الشيعي في إيران، علما ان الحكومة الإيرانية لا تزال إلى حد كبير تحت سيطرة المتشددين.
وقائع يمكن الركون اليها لعدم الرهان على تغيير كبير في المشهد الايراني الجديد، لا في الداخل ولا في سياساتها الخارجية اقليميا ودولياً، وما دام المرشد سيد النظام ستبقى ايران على تشددها وتحفّظها وتطلعها الى مزيد من التوسع والنفوذ في الاقليم.