تنتاب معظم الأوساط والقوى اللبنانية لا سيما منها قوى معارضة، خشية متعاظمة من أن تكون الأسابيع القليلة المقبلة الفرصة الأخيرة لبقايا اهتمام دولي بملفات الأزمة اللبنانية في شقيها، الجنوبي حيث يتأرجح توازن هشّ للغاية بين احتمالات انفجار حرب واسعة مع احتمالات هدنة وتسوية تمنعان هذا الانفجار، والداخلي المتصل بأزمة الفراغ الرئاسي، وذلك في ظل ما صار معروفاً من انشغال العواصم الكبيرة المؤثرة باستحقاقاتها الذاتية. وهو الأمر الذي ينطبق أولاً على الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا اللتين تعتبران الدولتين الأكثر انخراطاً في الاهتمام بملفات لبنان الكبيرة فيما تقفان حالياً على عتبة انحسار كبير لهذا الاهتمام بسبب الاستحقاق الانتخابي لكل منهما.
ولذا لن يكون غريباً أن ترصد الأوساط اللبنانية المباحثات التي من المقرر أن يجريها اليوم في باريس المبعوث الرئاسي الأميركي الى لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين، لا سيما منها مع “نظيره” في الملف الرئاسي اللبناني المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، لما تشكل هذه المحطة التنسيقية الأميركية – الفرنسية من دلالات وأهمية في توقيتها الدقيق والحرج للغاية لبنانياً وإقليمياً. ومع أن الانطباعات الغالبة ترجح عدم التوصل الى أي تطور أو اختراق في الملف الرئاسي، فإن أوساطاً معنية برصد الاتصالات الديبلوماسية المتصلة بلبنان، لفتت إلى أن البارز في التنسيق الأميركي – الفرنسي المستمر أن الجانبين يبحثان ملفي خفض التصعيد في الجنوب والملف الرئاسي سواء بسواء على خلفية أولوية كل منهما ولكن بنوع من الترابط الضمني، وهذا عامل يعود إلى معطيات الجانبين حول لعبة الضغوط التي يمارسها الفريق اللبناني الذي يمعن في ربط الأزمات كما يربط ساحة الجنوب بغزة وبساحات الإقليم. واستبعدت الأوساط أن يصدر أي اعلان مشترك عن لقاء هوكشتاين ولودريان أو أي لقاء آخر قد يعقده الموفد الأميركي مع مسؤولين فرنسيين آخرين، ولكنها توقعت أن تبلغ أجواء التنسيق بين الجانبين إلى مسؤولين لبنانيين وقوى لبنانية في حال أسفرت عن معطيات جديدة، علماً أن هذه الأوساط تشدّد على أن ملف منع تمدّد الحرب إلى لبنان صار متقدماً للغاية على ملف الأزمة الرئاسية.
وفي غضون ذلك لم تتراجع مناخات التحذيرات والتهديدات، بالإضافة الى دعوات الدول إلى رعاياها لتجنّب السفر إلى لبنان، وكان آخرها وأحدثها أمس تجديد بريطانيا نصحها لرعاياها بعدم السفر إلى لبنان “بسبب الوضع الأمني القائم في الشرق الأوسط”.
وفي السياق، مضت إيران في اقحام نفسها في الحرب الإعلامية، فصعّدت نبرتها لجهة دعم “حزب الله” في حال تعرض لأي اعتداء موسع من إسرائيل. وأكد مستشار الشؤون الخارجية للمرشد الإيراني علي خامنئي، لصحيفة “فايننشال تايمز”، أنه “إذا شنّت إسرائيل هجوماً شاملاً ضد “حزب الله”، فإنها ستخاطر بإشعال حرب إقليمية تدعم فيها طهران و”محور المقاومة” الحزب بكل الوسائل”. ولكنه أشار إلى أنّ “إيران غير مهتمة بحرب إقليمية وتوسيع الحرب ليس في مصلحة أحد”. كما أن نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، أكد أن “القتال مع إسرائيل سيتوقف من دون أي نقاش بعد وقف كامل لإطلاق النار في غزة”.
في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي، “أننا مصممون على مواصلة القتال حتى تحقيق أهداف الحرب المتمثلة في تدمير القدرات العسكرية والحكومية لـ”حماس” وعودة المختطفين والعودة الآمنة للسكان في الشمال والجنوب إلى منازلهم”. وأضاف: “نعزز الاستعدادات للحرب في الجبهة الشمالية ضد حزب الله”.
الأزمة الرئاسية
وفي المواقف الداخلية من الأزمة الرئاسية، برز ما أعلنه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد لقائه أمس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة إذ أكد أن “لا أهداف لنا اليوم إلا الأهداف الوطنية الكبرى، ولا أرى حالياً أن هناك تفاهماً لانتخاب رئيس للجمهورية رغم كل ما يحصل وكل ما نسمعه بالإعلام، لا بل نحن ذاهبون باتجاه شهر كحد أقصى، فإذا لم ننتخب رئيساً للجمهورية جميع الدول التي كانت حتى الآن تساعد أو تسهّل أو تتدخل لتسهيل انتخاب رئيس ستصبح معنية بانتخاباتها الداخلية، وبالتالي قد تنتهي مدة مجلس النواب الحالي من دون أن ينتخب رئيساً للجمهورية، وإذا لم ينتخب هذا المجلس رئيساً لن يُجري انتخابات نيابية في المستقبل”.
ونقل النائب سجيع عطية بعد زيارته عين التينة، عن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه “لا يزال منفتحاً ومتعاوناً ومبادراً ومحافظاً على كل كلامه الذي ابتدأ به بمعنى الجلسات المتتالية، الدورات المتتالية، الحوار الذي هو الأساس لحل كل المشاكل”.
واندلع سجال حاد بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” على خلفية مواقف رئيس التيار النائب جبران باسيل الأخيرة التي اتهم فيها “القوات” برفض أي حوارات. وأشارت “القوات” إلى أنها “موجودة في صميم تحالف معارض يضمّ مسيحيّين ومسلمين، وتتحاور مع معظم الكتل النيابيّة، وأيّدت مبادرة كتلة الاعتدال الرئاسيّة، وساهمت في إنضاج التمديد العسكري، وتجري مشاورات على أوسع نطاق إلى درجة التقاطع مع باسيل نفسه رئاسيّاً، ولكنّها رفضت وترفض تعميق التشاور معه بسبب التجربة المرّة التي أظهرت أنّ هذا الفريق لا يتغيّر وأنّه من العقم مواصلة المحاولات التي لا تؤدّي إلا إلى نتائج سلبيّة.
وقد ظنّ النائب باسيل أنّ في إمكانه الاستقواء بالعهد لقطع أوصال البلد وشرايينه من خلال جولاته الفتنويّة على المناطق والتي دخل فيها في تناقض مع الأطراف كلّها أدّت إلى عزله نفسه بنفسه وهو ساهم في إيصال البلد إلى الانهيار… وقد ظنّ أنّه بالكذب تحيا السياسة، ولكن الكذب “حبله قصير”، والسياسة لا تحيا سوى على قاعدة المشاريع التي تختزن المبادئ والثوابت والمسلَّمات”. وردّ “التيار” متهماً رئيس “القوات” سمير جعجع، بأنه “قلِق ومهجوس مما لا يمتلكه ولا يستطيع القيام به لجهة السياسة والديناميكية التي يقوم بها التيار ورئيسه”.
أما حزب الكتائب، فشدد على أنه “بات واضحاً أن عدم التوصل إلى أي حل مرده إلى أن من نصّب نفسه وصياً على الجمهورية لا يريد رئيساً ينحاز للبنان وهو في خضم حرب متعددة الأبعاد يخوضها نيابة عن إيران”. واعتبر المكتب السياسي الكتائبي “أن كل المبادرات الداخلية والمقترحات التي يحملها الموفدون كانت ولا تزال لعباً في الوقت الضائع في انتظار انتهاء المعركة الكبرى، وهذا ما لن يساهم فيه حزب الكتائب بعد اليوم”.
(النهار)