عيد الميلاد… فرح العائلة ووجع الوطن (نجيب زوين)

في عيد الميلاد، تجتمع العائلة كاملة. هو عيد الفرح بقدوم المولود المخلّص، عيد الرجاء الذي تلخّصه ترتيلة الميلاد:
“ليلة الميلاد يُمحى البغض.. تزهر الأرض.. ينبت الحب.. وتُدفن الحرب”
هو العيد الذي يرفع شعارًا كونيا: “المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، وللناس المحبة”.
فالمسيح، من فرط محبته للبشر، تأنّس، وتألم، ومات على الصليب خلاصًا للبشرية.

هذا العام، كان العيد مختلفًا. اجتمعنا حول طاولة واحدة بعد غياب طويل. الابناء والأحفاد عادوا من الاغتراب، سيسافرون بعد العيد بعضهم لمتابعة التخصص، وبعضهم بدأ مسيرته العملية في الخارج. فرح اللقاء اختلط بقلق دفين، سرعان ما خرج إلى العلن في حوار بسيط، لكنه موجع، مع حفيدي الأكبر.
بادرني قائلًا:

  • جدي… قررت ما ارجع ع لبنان.
    سألته بدهشة:
  • ليش يا جدو؟.
    أجاب ببراءة قاسية:
  • ما فيك تعيش يا جدي مع ناس بيكرهوك، والتقسيم بكلف دم!!!
    حاولت أن أطمئنه:
  • له يا حبيبي… له… مين قال هيك؟
    فردّ بثقة من سمع ووعى:
  • ما سمعت شو عم يعلّموا ولادن بالمدارس؟.
    صمتُّ لحظة. حاولت التخفيف، لكنه أكمل:
  • وكمان عم يعلّموهن الانتحار والموت فداءً وطاعةً لـ (ولي الفقيه). يعني بطّلوا لبنانيي، صاروا يتبعو التعليمات من إيران.
    كلام يحمل مرآة واقعٍ لا يمكن تجاهله.

ما قاله حفيدي ليس مبالغة. هو توصيف لما يحدث اليوم في لبنان، حيث تتحول التربية من رسالة بناء الإنسان إلى أداة تعبئة أيديولوجية وانقسام قاتل.
فـ حزباللا يزرع في مدارسه الخاصة ثقافة “الموت تحت شعار المقاومة” المرتبطة مباشرة بتنفيذ الأوامر والتعليمات الآتية من خارج الحدود.
والمتعصبون من بعض الجماعات السنية يسيرون، وإن بنسبة أقل، في النهج نفسه، ناقلين الصراع السياسي والعقائدي إلى عقول الأطفال.
في المقابل، المدارس المسيحية، رغم تمسكها بالتعليم الديني، ما زالت تصرّ على قيم المحبة، والعيش المشترك، واحترام الآخر، وتربية الإنسان لا المقاتل.
هذه المعضلة التربوية لم تعد خفية. بل ظهرت بشكلٍ فاضح، وأحيانًا مخيف، لما لها من تأثير مباشر على السلم الأهلي والنظام العام، وعلى فكرة الوطن نفسها.
فلبنان، بحسب دستوره، دولة مدنية (غير علمانية)، تقوم على المواطنة لا على الانتماء العقائدي، وعلى الولاء للدولة لا للخارج. ومع ذلك، لم نرَ وزارة التربية ولا وزارة الثقافة تبادران إلى تصحيح هذا الانحراف الخطير، رغم أن المسؤولية المباشرة تقع عليهما.

وهنا يبرز السؤال الكبير، المؤلم، والملحّ:
كيف نحمي أولادنا من ثقافة الكراهية والموت؟ كيف نعيد للمدرسة دورها كمساحة لبناء المواطن لا الجندي؟ وكيف نقنع أحفادنا أن لبنان يستحق العودة، لا الهروب؟

ربما لا تبدأ الحلول بالشعارات، بل بالجرأة على الاعتراف بالمشكلة، وبإرادة سياسية تعيد الاعتبار للتربية الوطنية، وللدولة، وللوطن الذي نريده مكانًا للحياة… لا ساحة مفتوحة للموت.