
أثار كلام النائب جميل السيد حول أداء بعض الوزراء، نقاشًا سياسيًا يستوجب التوضيح في إطار احترام الدستور والمؤسسات، يقول: “ضرورة إخضاع كل الوزراء الجدد لدورة تثقيفية… وان الوزير مُلزَمًا دستوريًا بالتقيّد بالبيان الوزاري وقرارات مجلس الوزراء”.
حضرة النائب، إن لبنان الذي تحرّر من الاحتلال السوري، الذي عايشته حضرتك طويلا، وما رافقه من وصاية سياسية وأمنية، لم يعد بحاجة إلى دروس في السيادة أو إلى وصاية مستترة على عمل وزرائه. فالوزير اليوم ليس ”وزير فلتان“، ولا باش كاتب عند الاستخبارات، بل عضو في سلطة تنفيذية تعمل ضمن أطر دستورية واضحة وتحت سقف خطاب القسم والبيان الوزاري وقرارات مجلس الوزراء.
وفي هذا السياق، يأتي أداء وزير الخارجية والمغتربين منسجمًا، في جوهره، مع العناوين التي وردت في خطاب الرئيس جوزيف عون والبيان الوزاري لحكومة د. نواف سلام، ولا سيّما لجهة التأكيد على سيادة الدولة اللبنانية، وحصرية القرار الوطني وخاصة قرار الحرب والسلم، واعتماد الدبلوماسية كخيار أساسي لحماية لبنان من تداعيات الصراعات الإقليمية.
فمواقف وزارة الخارجية تنطلق من المرجعيات الرسمية للدولة اللبنانية، وتستند إلى مبادئ الشرعية الدولية واحترام القرارات ذات الصلة، بما يعكس التزامًا واضحًا بالنصوص التأسيسية التي ترسم مسار العمل الحكومي.
وعندما أشار وزير الخارجية، بوضوح وجرأة، إلى أن قرار تسليم سلاح حزباللا ليس في لبنان بل في إيران، تعرّض لحملة هجوم سياسي وإعلامي واسعة. غير أن تطورات الأحداث أثبتت دقّة هذا التوصيف، وأظهرت أن الإشكالية تتجاوز الداخل اللبناني إلى قرار إقليمي يُدار من طهران. ولم يكن هذا الموقف استهدافًا لحزباللا او لأي مكوّن لبناني، بل تنبيهًا إلى مكمن الخلل الحقيقي، وسعيًا إلى خلاص لبنان بكل طوائفه – وخاصة الطائفة الشيعية – ومكوّناته من منطق الساحات المفتوحة.
وفي الوقت عينه، شكّل هذا الموقف رسالة واضحة إلى الدول الكبرى، وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، مفادها أن معالجة الأزمة اللبنانية لا يمكن أن تكون مجتزأة أو محصورة بالداخل، طالما أن لبنان يُستعمل كساحة لتصفية حسابات إقليمية، وأن أصل المشكلة يكمن في طهران وليس في لبنان.
وأخيرًا، لا بد من التذكير بأن وزارة الخارجية هي أداة تمثيل وتعبير عن سياسة الدولة، لا سلطة تنفيذ مستقلة، وأن ترجمة المبادئ الواردة في خطاب القسم والبيان الوزاري تبقى مسؤولية جماعية تتطلب قرارًا سياسيًا وطنيًا جامعًا.
وعليه، يمكن القول إن خطاب القسم، والبيان الوزاري، ومواقف وزارة الخارجية، تشكّل معًا ثلاثية متكاملة تعكس بوضوح سياسة الدولة اللبنانية تجاه الداخل والخارج، وتؤكد التمسك بالسيادة والقرار الحر كخيار لا رجعة عنه. فمتى يستوعب حزباللا ان تسليم سلاحه للجيش هو الخطوة الاولى على طريق الحل.
20 كانون الاول 2025



