
عقدت الرابطة المارونية جمعيّتها العمومية الأولى في ولاية رئيسها المهندس مارون الحلو يوم السبت الفائت. والمهندس الحلو هو وجه معروف في الأوساط السياسية والإعمارية والاجتماعية في لبنان، وكان من أركان “حزب الوطنيِّين الأحرار” زمن الرئيس كميل شمعون وعاصَر الكبار وتولّى مهمات تفاوضية حساسة في حرب السنتَين، وشارك في وفد حزبه إلي مؤتمرَي لوزان وجينيف، ما أكسبه دراية بزواريب السياسة ودهاليزها. وبالتالي هو قادر على الاضطلاع بالأعباء التي تترتب عليه في رابطة هي أقرب إلى برلمان الموارنة، وصوتاً لها بعيداً من التخندق الحزبي، ومحاولات جذبها نحو هذا الاتجاه أو ذاك.
وفي الرابطة المارونية لجان تختص بملفات تطاول معظم الحقول العامة. وهناك لجنة سياسية مهمّتها متابعة كل الموضوعات التي تندرج في إطار الصلاحيات الموكلة إليها، وهي أن تكون إطاراً للحوار الدائم بين الأحزاب والقوى المسيحية، وتضم اللجنة ممثلين عن أحزاب: الكتائب اللبنانية، الوطنيون الأحرار، القوات اللبنانية، تيار المردة، التيار الوطني الحر، حركة الإستقلال، ومستقلين.
وفي رأي بعض الأوساط أنّه كان يتعيّن تشكيل اللجنة من شخصيات مستقلة في الرابطة تكون على مسافة واحدة من كل هذه الأحزاب والتيارات والحركات، على أن تتولّى هذه الشخصيات الإتصال المباشر برؤساء هذه القوى السياسية أو مَن ينوب عنهم في صورة دورية والاجتماع بهم عندما تدعو الحاجة للبحث في العناوين العريضة التي تستوجب تشاوراً وموقفاً موحّداً تجاه أي موضوع يتعلّق بمصير لبنان ومستقبل المسيحيِّين فيه، خشية أن تستحيل هذه اللجنة إلى ساحة لتجاذبات القوى المشار إليها، وهو أمر ممكن نظراً إلى طبيعة العلاقات غير السوية في ما بينها، وهي قابلة للإحتدام مع قرب الاستحقاق النيابي.
إنّ الرابطة المارونية ليست جمعية خيرية يُطلَب منها ما يفترض في الدولة أن تقوم به، والكنيسة أن تتصدّى له، لكنّها تمثل إطاراً نُخبَوياً يضم كادرات الطائفة المارونية في كل ميدان من ميادين الحياة، ويمكن لها أن تؤدّي أدواراً رئيسة في إطار خطة شاملة تضعها الكنيسة مع المؤسسات المارونية ذات الصلة بها، من أجل إرساء خارطة طريق تضمن الثبات والرسوخ في الأرض عبر سياسة إسكان وتعليم وطبابة واستشفاء، وتوفير فرص عمل للشبيبة. إلّا أنّ هذا الشق الخيري ليس من مهمّتها، فهناك المجلس العام الماروني الذي يُفترَض فيه أن يتولى هذا الشأن تحديداً، فلا يتجاوزه إلى أدوار هي شأن الرابطة حصراً.
وإذا كانت الرابطة المارونية قد انبثقت من رحم المجلس العام الماروني في العام 1952، فقد شكّلت هويّتها الخاصة، دورها المستقل، وشخصيّتها المعنوية والقانونية المتمايزة بعد 73 سنة على ولادتها، ممّا يعني أنّ “حبل السرّة” انقطع بينهما منذ زمن طويل، بما يشي أنّ الأوان قد حان لتظهير هذا الأمر منعاً للإلتباس، علماً أنّ العديد من الجمعيات المارونية حصلت على “علم وخبر” بإنشائها، وهي ضمّت (بضم الضاد) إلى المؤسسات التابعة للكنيسة المارونية، لكنّ الرابطة مختلفة تكويناً، واستيعاباً، خصوصاً أنّ أعضاءها هم من جميع المناطق اللبنانية.
والحقيقة أنّ مَن تعاقب على رئاستها وأمانتها العامة كانوا من الشخصيات البارزة الذين قادوا الرابطة بحكمة وانفتاح بإيثار الحوار على أي نهج آخر، وذلك بعكس ما أشار أحدهم خلال الجمعية العمومية السبت الماضي بأنّ المرحلة السابقة شهدت “شخصنة وتبعية” ما أثار إمتعاض الحضور، لأنّ ذلك مجافٍ للحقيقة تماماً، ويعتبر هذا القول مسّاً مباشرا بمَن تولّوا المسؤوليات الرابطية في المراحل السابقة.
الرابطة والتحديات الراهنة
إنّ الرابطة المارونية اليوم أمام تحدّيات شتى، وهي عليها أن تُجيب على الأسئلة الآتية:
أ – هل هي مع مشروع الحويّك الذي هو مشروع الكنيسة المارونية (دولة لبنان الكبير والـ10452 كلم2)؟
ب – هل تستطيع أن تكون صوتاً لا صدى لحالات حزبية، وأن تضع السَيف في موضع السَيف والندى في موضع الندى، لدى مقاربتها موضوعات مصيرية ينبغي أن يكون للعقل – لا الإنفعال والحماسة ومسايرة الجو واعتماد قاعدة: ما يطلبه المستمعون – الدور الأكبر في التصدي لها؟
ج – هل أنّ الرابطة المارونية قادرة على تثبيت استقلاليّتها من خلال قدرة جمعيّتها العمومية على إدخال تعديلات على نظامها الداخلي وسَدّ ما يعتوره من ثغر. ومن أهم التعديلات المطلوبة هو الفصل القانوني والتنظيمي بين الرابطة وبين المجالس والجمعيات والحركات المارونية الأخرى منعاً لتضارب المصالح، وقيام ازدواجية مفتوحة على ثلاثية أو رباعية أو خماسية تجعل منها مؤسسات غير متحدة، مجتمعة تحت راية الرابطة ظاهراً، متناحرة ضمناً في كيان واحد.
إنّ الرابطة المارونية بنظامها الداخلي الجديد يصحّ فيها عنوان كتاب المؤرخ كمال الصليبي “بيت بمنازل كثيرة”.
في الشرق العربي كثيراً ما يُدمَج بين الشخص والمؤسسة لأنّ شخصية مَن يقود المؤسسة هي أمر مهم ومفصلي، لذا يُنتظَر من مارون الحلو إنجازات نوعية على المستوى العام بما يخصّ تعاطي الرابطة مع الملفات الوطنية، المسيحية، المارونية الكبرى، والمستوى الداخلي نحو مزيد من المأسسة والإستقلالية.
لا يمكن للرابطة المارونية أن تخرج من عباءة بكركي، لكن لديها القدرة على بلورة شخصية مستقلة تمنحها هامشاً من الخصوصية التي لا يمكن تقاسمها مع أي هيئة أو مجلس أو جمعية مارونية، ولو اجتمعت في مناسبات تحت خيمة الصرح البطريركي. إنّها فرصة لتعمل كل المؤسسات المارونية بحسب الأدوار التي تنص عليها أنظمتها بالإنسجام مع غاية إنشائها.



