هل الحرب حتمية؟


نجيب زوين


يبدو السؤال عن حتمية الحرب في لبنان اليوم مشروعاً أكثر من أي وقت مضى، في ظل انسداد الأفق السياسي وتكامل الضغوط الدولية والإقليمية حول مسألة واحدة باتت تختصر أزمة الدولة: السلاح غير الشرعي ومن يملك قرار الحرب والسلم.
الولايات المتحدة، ومن دون مواربة، لن تسمح بأي مساعدات عسكرية للجيش اللبناني في ظل استمرار واقع تعدد السلاح. أما الأوروبيون، فيربطون صراحة أي مؤتمر دولي هدفه تأمين التمويل بتقدم ملموس في ضبط السلاح غير الشرعي وبسط سلطة الدولة وحدها. وفي السياق نفسه، يشدد الخليجيون، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، على أن لا مساعدات اقتصادية ولا استثمارات قبل أن تستعيد القوى الشرعية وحدها الأمن الفعلي في كل لبنان.
في المقابل، يبرز الموقف الإيراني بلغة مختلفة تماماً. فخطاب طهران، عبر مسؤوليها وإعلامها، يروّج لفكرة أن “حزباللا استعاد كامل قوته وبات أقوى مما كان”، وأن سلاحه “أولوية قبل الماء والهواء”، مع إصرار دائم على تصوير الجيش اللبناني كعاجز وضعيف، والتأكيد على أن “المقاومة” حاجة لا يمكن الاستغناء عنها. هذا الخطاب، بما يحمله من تجنٍ واضح على المؤسسة العسكرية، لا يمكن فصله عن مناخ التحضير الدائم للحرب وتكريس لبنان ساحة لا دولة.
الأخطر أن “الصحافة الصفراء” ذهبت إلى حد التشكيك بقانونية ودستورية تصرّف وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي في تعاطيه مع نظيره الإيراني. في حين أن ما قام به الوزير لا يعدو كونه موقفاً سيادياً بامتياز، يعبّر عن إرادة ما لا يقل عن 90 في المئة من اللبنانيين، وينسجم تماماً مع خطاب القسم والبيان الوزاري، ويأتي مكمّلاً لمسار حكم يسعى إلى استعادة قرار الحرب والسلم وضبط كل الأسلحة غير الشرعية، وفي طليعتها سلاح الحزب.
السؤال الذي يتجاهله هؤلاءً: هل يتصرف النظام الإيراني مع لبنان وفق القوانين والشرعية الدولية؟ وهل تهريب السلاح إلى تنظيم خارج عن سلطة الدولة أمر قانوني؟ وهل تمويل تنظيم مصنّف إرهابياً على مستوى العالم عمل شرعي؟ إن الاستمرار في استغباء عقول اللبنانيين واتباع سياسات خبيثة لم تنتج سوى الويلات والخراب بات أمراً مرفوضاً.
إن إيران تتحرك وفق مصالحها، لكن اللوم الأساسي لا يقع عليها وحدها، بل على حزباللا ومن يدور في فلكه، وكل من تعامل معه أو غطّى ممارساته. فلبنان اليوم عند مفترق مصيري: إما دولة باقية قادرة، وإما ساحة متروكة للزوال.
مسؤولية الحكم في هذه المرحلة تاريخية، ونحن على أبواب تغييرات جذرية، وهو ما يفسّر الموقف الحاسم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون حين قال: “من لديه وثائق فليبرزها الآن أو فليصمت إلى الأبد”. إنها لحظة كشف الحقائق ووضع النقاط على الحروف.
كفى ابتزازاً، وكفى متاجرة بدماء اللبنانيين ومستقبلهم. إذا كان حزباللا صادقا ويريد فعلاً المشاركة الإيجابية في بناء دولة سيدة حرة مستقلة، فالطريق واضح ولا لبس فيه: الانخراط الكامل في الدولة، وتسليم سلاحه طوعاً إلى الجيش اللبناني دون قيد أو شرط. أما الاستمرار في سياسة الفرض والتهديد، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار… وربما إلى حرب لا يريدها اللبنانيون، لكنهم يدفعون ثمنها منذ سنوات.