بين السيادة والدعم الدولي: ماذا أراد لودريان من بيروت؟(رشا صادق)

لم تكن زيارة جان-إيف لودريان إلى بيروت زيارة عابرة. الرجل جاء في مهمة واضحة: التحقق من قدرة الدولة اللبنانية على استعادة سيادتها وفرض سلطتها، لأن أي دعم دولي في المرحلة المقبلة خصوصاً للجيش سيُبنى على هذه القاعدة تحديداً.

رسالة فرنسية مباشرة

أبلغ لودريان المسؤولين اللبنانيين أن المؤتمر الذي تحضّر له فرنسا لدعم الجيش مرتبط بشرط أساسي: تقدّم فعلي في تنفيذ القرار 1701 وفي بسط سلطة الجيش من جنوب الليطاني حتى الحدود مع سوريا. هذا الشرط لم يعد قابلًا للتأجيل، وهو معيار ستعتمده باريس في تحديد مستوى دعمها.

صحيح أنّ لودريان لمس توافقاً داخلياً على مبدأ حصرية السلاح، وأن الجيش نال إشادات دولية على بعض الخطوات التي قام بها، إلا أن المجتمع الدولي يرى أن ما تحقق لا يكفي، ويطلب التزاماً عملياً وجدولاً زمنياً واضحاً.

الحدود مع سوريا إلى الواجهة

مفاجأة الزيارة كانت إعادة فتح ملف ترسيم الحدود اللبنانية–السورية. فقد أعلن لودريان أن الرئيس الفرنسي كلّف مستشارته بمتابعة الملف بناءً على أرشيف الخارجية الفرنسية. بالنسبة لباريس، هذا الموضوع جزء أساسي من إعادة تنظيم سلطة الدولة وضبط الحدود، وليس خطوة إدارية يمكن تجاوزها.

الوضع في الجنوب: جهود قائمة وهواجس أيضاً

رحّب لودريان بتعيين السفير السابق سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني في اجتماعات «الميكانيزم»، وبالدور الذي يؤديه قائد الجيش العماد رودولف هيكل. لكن ذلك لم يبدد مخاوف باريس من هشاشة الوضع جنوباً، خصوصاً في ظل التجاذبات الإقليمية. وهذا ما يجعل الدعم العسكري الدولي مشروطاً باستمرار الاستقرار وليس بتحقيقه لمرة واحدة.

الانتخابات النيابية: موعد يجب احترامه

سياسياً، شدد لودريان على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها عام 2026. فالانتخابات، بنظر باريس، أساسية لتجديد الشرعية السياسية. لكن الخلافات حول قانون الانتخاب، ولا سيما اقتراع المغتربين، ما زالت بلا حلّ، فيما يُطرح احتمال تأجيل تقني إذا فرضته الظروف. ومع ذلك، تبقى فرنسا متمسكة بانتظام العملية الديمقراطية كجزء من تقييم المجتمع الدولي للبنان.

من يمسك السلطة فعلاً؟

بمعنى آخر، حاولت باريس عبر هذه الزيارة جمع صورة واضحة: هل تمسك الدولة فعلاً بزمام الأمور؟ وهل تستطيع تنفيذ التزاماتها؟ فالدعم الدولي للبنان لم يعد يأتي بشكل تلقائي، بل على أساس قدرة الدولة على بسط سيادتها وضبط حدودها.

وهنا تبدو عبارة ميشال فوكو معبّرة بقدر كبير:
“السلطة تُمارَس أكثر ممّا تحتكر “

واقع يختصر التحدي الأساسي: شرعية رسمية لا تُترجم دائماً على الأرض، فيما يراقب المجتمع الدولي ميزان القوى الحقيقي قبل اتخاذ أي قرار بالدعم.