قوات نحو المستقبل.. تشبث بالقضية ورسائل الى كل مَن لا يريدون لبنان السيد الحر المستقل الذي قدّم القواتيون دماءهم ونضالهم ومقاومتهم له

وجه رئيسُ حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رسالة مفتوحة الى الرؤساء الثلاثة، مؤكّدا لرئيسي الجمهورية والحكومة أن لا سبباً أو مبرِّراً للتأخير الحاصل في حلّ الأجنحة العسكريّة والأمنيّة لحزبِ الله، بعدَ قرارَي مجلس الوزراء في 5 و7 آب المنصرم. وشدد على أنه لا يتحدث من موقع الخصومة او المنافسة بل من موقع اللُّبنانيّ “الضنينِ” على بلاده ومستقبل أجياله، معلنا أن المطلوب إعلانٌ سياسيّ واضح يتكرّرُ كلّ يوم، في العلن والاجتماعات المغلقة، لتتبعُه خطوات سياسيّة وإداريّة واضحة لوضع هذه الأصول الفاجرة عند حدّها.
امّا للرئيس نبيه بري فقال: “لطالما تخاطَبنا بصراحة واحترام، لكنّ ما تقوم به بما يتعلّق بقانون الانتخاب تخطّى كلَّ حدود. ارحم المجلس النيابيّ والحكومة واللُّبنانيين جميعاً بتوقّفِكَ عن التعطيل، من خلال إحالة كلّ ما له علاقة بقانون الانتخاب إلى الهيئة العامّة في أسرع وقت لتتّخذ القرار المناسب.”
كلام جعجع جاء خلال ترؤسه المؤتمر العام الأول للحزب الذي حمل عنوان “قوات نحو المستقبل”، والذي حضره نواب تكتل “الجمهوريّة القويّة”، أعضاء الهيئة التنفيذية، الأمين العام للحزب إميل مكرزل، الأمناء المساعدون، مجلس الشرف، رئيس هيئة الإدعاء، رئيس هيئة التفتيش، الندوة السياسيّة، منسقو المناطق، رؤوساء الأجهزة، رؤساء المصالح ومستشاري رئيس الحزب وشخصيات قواتية من لبنان ومن مختلف البلدان العربية والأجنبية.


جعجع:
واستهل رئيس القوات كلمته بالقول: “رفيقاتي رفاقي على امتداد أرض لبنان وعلى وسع العالم أجمع، في كلّ منطقة من مناطق لبنان وفي كلّ منسقيّة، في كلّ مدينة وحيّ وبلدة وقرية من بلادنا وفي كلّ مركز، في أصقاع الدنيا الأربعة من أستراليا إلى أميركا الشماليّة والوسطى والجنوبيّة، وأوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط ودول الخليج العربيّ وصولا إلى سائر آسيا. رفيقاتي رفاقي في المصالح المختلفة والأجسام النقابيّة على تنوّعها، في الإدارة المركزيّة للحزب بكلّ شعبها من معراب مرورا بالأمانة العامّة والأمانات المساعدة إلى الأجهزة والمكاتب ومتفرّعاتها. هذه هي المرّة الأولى التي نلتقي فيها رسميّا في المؤتمر العامّ الأوّل للحزب. لكنها ليست المرّة الأولى التي نلتقي فيها. فلقد التقينا تقريبا كلّ يوم على مدى خمسين عاما مرّت من تاريخ نضالنا الحديث. المرّة الأولى التي التقينا فيها، كانت على خطوط الدّفاع عن لبنان الذي نؤمن به، لبنان الحرّيّة والكرامة والعزّة والسيادة والتعدديّة، وهو ما مكّننا من الحفاظ على نواة حرّة لـلبنان الغد والأجيال الآتية، على الرغم من العوامل المعاكسة الأخرى كلّها، وفي طليعتها نظام الأسد الأب والابن، وقبله خطيئة “الوطن البديل”، وبعده وصاية السلاح. التقينا في البراري وفوق القمم وفي الجرود وعلى ثلوج صنين، في المتاريس والشوارع والأزقّة، التقينا إلى جانب أهلنا الصامدين، وحيثما دعت الحاجة كنّا، وفي نهارات الشمس الحارقة، في الليالي الباردة الظالمة المظلمة والمعتمة، في وداع رفاق سقطوا معنا على الدرب، ونلتقيهم معا في ذكراهم الحيّة كلّ عام لنصلّي لهم ونجدّد الوفاء لشهادتهم، والتقينا ونلتقي كلّ يوم في العناية برفاق آخرين أصيبوا معنا. في الحرب التقينا دوما، وفي السّلم أيضا. أكثر ما تلاقينا كان في سجون سلطة الوصاية، وفي المنافي، وفي حملات الاضطهاد والقمع والمنع التي لاحقتنا لأكثر من عقد من الزمن.”
تابع: “صحيح أنّ هذا هو المؤتمر العام الأوّل للحزب، لكن سبقه مؤتمر عامّ دائم ومفتوح في خدمة القضية وحيثما دعت الحاجة ونادى الحقّ والتاريخ، ودائما وأبدا حيث لم ولا ولن يجرؤ الآخرون.” لقد حملت القوّات اللّبنانيّة إرث المقاومة اللّبنانيّة ونضالات أجيال على مرّ تاريخ لبنان، وكان لها شرف المحافظة على تلك التضحيات العظيمة التي بذلت وما زالت لخلاص الإنسان في أرضنا، ولتثبيت الوجود الحرّ دون قيد أو عائق، اليوم، وبعد مسيرة طويلة امتزجت فيها الدماء بالإيمان، والثبات بالقرار، والرجاء بالمواجهة، نقف معا لنفتتح المؤتمر العامّ الأوّل لحزب القوّات اللّبنانيّة، مؤتمرا يأتي في السياق الطبيعيّ لعمل تنظيميّ تطلّب الكثير من الجهد؛ المؤتمر العامّ الأوّل لحزب عاش الاستشهاد وعانى الاضطهاد والاعتقال والتعذيب والنفي والتشويه والتخوين والفبركات، بعزم وإصرار، فبادل النكران بالتضحية، والتيئيس بالإصرار، والتضليل بالحقيقة، حتّى تبدّد الظلام وبانت خيوط الصباح الأولى. الكلمة الأولى في المؤتمر العامّ الأوّل لا يمكن أن تكون إلّا تحيّة وفاء لكم جميعا، شهداء وأحياء، مقاومين ومناضلينْ، معتقلين ومبعدين ومصابين، الذين سرتم في هذه المسيرة وكلّكم إيمان أنّه في نهاية المطاف لن يصحّ إلّا الصحيح. لولاكم، لولا إيمانكم وتضحياتكم، ما كانت مسيرتنا لتتكلّل بالحرّية والثبات والوجود والنجاحات التي شهدناها ونشهدها كلّ يوم. صحيح أن الطريق كان صعبا، طويلا ومتعرّجا ومؤلما، ولكن ما كان ولو للحظة واحدة طريق يأس أو خوف أو تراجع، وكان دائما بالاتجاه الصحيح.”
وأكد جعجع أن “هدف أعداء لبنان، على اختلاف أنواعهم من نظام الأسد وصولا إلى نظام الملالي في إيران وما بينهما، كان إخضاع البلد وإحكام سيطرتهم عليه لاستخدامه لغاياتهم الاستراتيجية. لكن ثبات القوّات اللّبنانيّة، طبعا مع بقيّة السياديّين الأحرار، وإيمانها بوجوب قيام دولة حقيقيّة محرّرة من أيّ قيد، دولة فعليّة لا صوريّة، فيها مؤسّسات مستقلّة غير مرتهنة، وأجهزة متماسكة لا ممسوكة، وقضاء عادل لا بائس، وسلاح شرعيّ واحد لا شريعة غاب تحكمها المشاريع الخارجيّة من كلّ حدب وصوب؛ ثبات القوّات هذا كان ثباتا أكيدا، وأدّى المطلوب منه”.
اضاف: “لقد كان هدف أعداء لبنان واضحا فاضحا، لكن في المقابل كان إصرار القوّات أوضح وأكثر جرأة وأكثر صلابة؛ فوسط كلّ التخاذل والارتهان والذّمّيّة، وقفت القوّات بصلابة، رافضة إلحاق القرار اللّبنانيّ بالإرادة السوريّة في البداية، وبالإرادة الإيرانيّة فيما بعد. اختارت القوّات المواجهة، فرفضت الالتحاق بركب المرتهنين، ركلت عروض السلطة وما توقّفت تصوّب على كلّ تخطّ للدولة، وانتهاك للدستور، وكلّ إجهاض لانتظام العمل المؤسّساتيّ. من هنا أدركت قوى الأمر الواقع ومنظوماتها الحاكمة أنّ إحكام قبضتها على كلّ شيء غير ممكن، إلّا بإنهاء القوّات اللّبنانيّة. بين الأعوام 1975 – 1990 جرّبوا بالحرب العسكريّة المباشرة، فلم يتمكّنوا. بعدها لم يتركوا وسيلة إلّا ولجأوا لها ما بين عامي 1990 و1994، رسائل تحذير وتهويل، تضييق وملاحقة، رسائل بالدم طالت رفاقنا الشهداء سامي أبو جودة، نديم عبد النور، سليمان عقيقي وإيلي ضو، حتى وصل الأمر بهم إلى تفجير كنيسة سيّدة النجاة في 27 شباط 1994، وكان هدفهم واحدا: إلباس التهمة للقوّات اللبنانية من أجل تشويه صورتها أمام المجتمع اللّبنانيّ، وتحديدا المسيحيّ من جهة، ومن أجل فتح باب جهنّم عليها من جهة ثانية. والموقف القواتي الأكثر إزعاجا في تلك المرحلة كان الاعتراض الحازم ضدّ (على) إبقاء السلاح بيد ميليشيا حزب الله، في حين أنّ كلّ الميليشيات الأخرى، وكما فعلت القوّات اللّبنانيّة التي حملت السلاح عندما غابت الدولة وكانت أوّل من تخلّى عنه مع نهاية الحرب، كلّ الميليشيات الأخرى قد التزمت بما اتّفق عليه في وثيقة الوفاق الوطنيّ، وسلّمت سلاحها إيمانا بقيام الدولة.”رفضتْ القوّات التراجع عن موقفها ومسارها باتجاه دولة فعليّة، فأتى القرار الانتقاميّ في 23 آذار 1994، بحلّ الحزب، وبدأت معه مرحلة متجدّدة من التضييق والتخوين والملاحقات والاعتقالات وتشويه كلّ الحقائق. تكتّلت كلّ الأيادي السود ضدّ كلّ رفيقة ورفيق، وكان الهدف إلغاء القوّات اللّبنانيّة، وتصفيتها تصفية شاملة، شعبيّة وسياسيّة ووجوديّة؛ فنفّذوا في 21 نيسان 1994 قرار اعتقال رئيس الحزب ومجموعة كبيرة من الرفاق الذين استشهد من بينهم الرفيق فوزي الراسي تحت وطأة التعذيب، وظنّوا أنّ نهاية القوّات قد بدأت.”
أردف: “لكنّ التصميم على المواجهة ورفض الاحتلال الأسديّ وخطف مشروع بناء الدولة لم يختلفْ أبدا عن العزيمة زمن المقاومة العسكريّة؛ رفاق كثر قرّروا الاستمرار وتحدّي الأمر الواقع، فتكوْكبوا في يسوع الملك حول رفيقتنا ستريدا جعجع التي حملت المشعل بجرأة وصلابة، وشكّلت مع بقية الرفاق شعلة القوّات اللّبنانيّة التي لا تنطفئ على الرغم من العواصف العاتية، كما كانوا منارة فعليّة لجميع الرفاق المقاومين في لبنان والمهجر طيلة تلك الحقبة. حاولوا المستحيل لإنهاء القوّات… لكنّ الرفاق كانوا دائما أكثر قوّة من الضغوطات والاضطهاد والسجون وحتى الموت، وقد تكلّل صمودهم وحضورهم، حتّى في عزّ أيّام الوصاية السوريّة، بانتصار استثنائيّ مع إجراء أوّل انتخابات بلديّة واختياريّة عام 1998 بعد الحرب. كما أثبتوا حضورهم في الساحات والصروح الجامعيّة وفي كلّ مواجهة سلميّة ومظاهرة. ولم يستكينوا، على الرغم من الاعتقالات والاغتيالات، من رمزي عيراني إلى رفاق لنا آخرين. وبعد مواجهة طويلة، تكلّلت بوحدة التضحيات والموقف عام 2005، خرج الاحتلال السوريّ، وانبثقت أولى معالم استعادة السيادة اللّبنانيّة؛ خرج المحتلّ وبقيت القوّات…”
يضيف جعجع في هذا السياق: “مرحلة جديدة بدأت بعد الخروج من المعتقل، لا تقلّ صعوبة عن كلّ المراحل السابقة؛ مرحلة إعادة البناء على أنقاض ما تبقّى، قانونيا وتنظيميا وشعبيّا وعقاريا. الخطوة الأولى كانت باستعادة «العلم والخبر» للحزب ومواجهة مئة عقدة وعقدة. وبعدها كانت خطوة أكثر صعوبة، باستعادة مباني القوّات التي تمّ احتلال البعض منها، والبعض تمّت مصادرته وبعضها تم تسجيله بطرق غير قانونيّة، وهذا الملفّ لم يقفل حتّى هذه اللحظة بشكل كامل، ومن أكثر الملفات صعوبة التي انكببت مع رفاق عديدين على حلّها كانت العقبات القضائيّة المفتعلة التي واجهت العديد من رفاقنا المتواجدين خارج لبنان، والذين عانوا من تركيب وفبركة العديد من الملفات في زمن الاحتلال السوريّ… وكانت أبواب التعقيدات القانونيّة تواجه وتعرقل كلّ شابّ يرغب بالعودة إلى لبنان. كانت السنوات الأولى سنوات لملمة الجراح، وإعادة لمّ شمل الرفاق، ولم تكن المهمة بهذه البساطة. في ذلك الوقت، تشكّلت لجنة لصياغة مسودّة النظام الداخليّ الأولى، وبعدها لجنة ثانية للتنقيح، شاركت فيها كرئيس للهيئة التنفيذيّة ومجموعة من الرفاق: إيلي كيروز، إيلي براغيد، أدي أبي اللمع، طوني كرم، طوني الشدياق، ايلي لحود، فادي ظريفة، جورج فيعاني، طوني عون؛ وكان عملها ينصبّ على وضع النظام الداخليّ للحزب الذي أبصر النور عام 2011. وبالتوازي، كان رفيقنا أنطوان حبشي مع مجموعة من الرفاق ينكبّون على كتابة الشرعة السياسيّة للحزب، وكان جوهرها مبنيّا على صورة قضيّتنا ومسيرتنا ونضالات من سبقونا؛ الشرعة التي تمّ الإعلان عنها في 17 شباط 2012 من مقرّ الحزب في معراب. وعند فتح باب الانتسابات إلى الحزب، حصلت بعض الفوضى نتيجة الضغط الكبير على باب الانتساب للقوّات، وهذه المرحلة تطلّبت جهدا مضاعفا لتنقية الانتسابات وترتيبها وإدخالها في نظام المكننة والبتّ بها. وكان تنظيم الاحتفال الأوّل لتوزيع البطاقات الحزبيّة في 14 كانون الثاني 2015. وبعد مراحل متعدّدة ومضنية من تنقية الانتسابات وتأكيدها من جهة، ومن ترسيخ الهيكل الحزبيّ الأوّليّ من جهة ثانية، أجريت الانتخابات الحزبيّة منذ سنتين، وتحديدا في 29 تشرين الأوّل 2023. في تلك المرحلة كان بالإمكان أن تنهي القوّات اللّبنانيّة ترتيب وضعها القانونيّ والتنظيميّ بشكل أسرع، لكنّ اهتمامها بترتيب الوضع اللّبنانيّ في ظلّ تسارع الأحداث وتطوّرها حال دون إتمام ذلك بالسرعة التي نريد. الدور السياسيّ الذي مارستْه القوّات بعد مرحلة الاعتقال اقترن بهدف أساسيّ هو استعادة الدولة: استعادة قرار الدولة وهيبتها وسلطتها وحدها على كامل أراضيها… وخاضت القوّات كلّ الاستحقاقات تحت هذا العنوان، لأنّها، كما دائما، آمنت أنّه من المستحيل تحقيق أيّ نوع من الأمن والأمان في ظلّ مشاريع غريبة تستثمر بمصير وطننا، وتربط حياة كلّ اللّبنانيين بأجندات خارجيّة تجرّ حروبا مدمّرة ومعارك عبثيّة كلّ فترة وفترة.”
استطرد: “في مرحلة 2005 – 2009، تعرّض الفريق السياديّ، وضمنا القوّات اللّبنانيّة، وبسبب التمسّك بالدولة والشرعيّة، لمحاولات متكرّرة من التصفية والإلغاء، وحملات ممنهجة لتشويه كلّ المفاهيم السياديّة وتكريس “تفاهم السلاح والفساد”، مرحلة لم تقلْ خطورة عن مرحلة الحرب، لا من ناحية محاولة إجهاض كلّ النضالات التي تراكمت بعد العام 1990، ولا من ناحية محاولة تشويه الذاكرة اللّبنانيّة عبر زرع مجموعة من الأكاذيب والأضاليل تحت شعارات “حقوق المسيحيين”، في الوقت الذي أثبتت فيه كلّ التجارب أنّ الهدف كان لدى البعض هو السلطة وجمع الثروات، لا أكثر ولا أقلّ. في هذه المرحلة أيضا، وعلى الرغم من كلّ الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تعرّض لها الفريق السياديّ في لبنان، خاضت القوّات اللّبنانيّة مع حلفائها تجارب حواريّة عدّة، سرعان ما تمّ الانقلاب عليها، مرّة باستجرار حرب تمّوز 2006، ومرّة بـ”ثلثاء أسود” كان هدفه إخضاعنا، فكنّا له بالمرصاد، ومرّات ومرّات بقمصان سود وبإسقاط حكومات واجتياح مناطق ومحاولة فرض معادلات جديدة للتحكّم بالتركيبة اللّبنانيّة، فبقيت القوّات مع مجموعة من القوى السياديّة متحفّظة رافضة وبالفم الملآن وعلانية.”
وقال جعجع: “من ستّة نوّاب نالتهم القوّات عام 2005 من خلف القضبان، بفضل فريق يسوع الملك الذي خاض المعركة في تلك المرحلة، عزّزت القوّات حضورها داخل السلطة التشريعيّة إلى ثمانية نوّاب عام 2009… مع العلم أنّنا، وإلى جانب خطابنا السياديّ، كنّا الأكثر حرصا على المحافظة على وحدة المكوّنات السياديّة، مضحّين بحقّنا بالتمثيل الفعليّ داخل السلطة مرّات ومرّات. ثبات القوّات على الموقف السياديّ تكلّل برفض كلّ المعادلات الخشبيّة التدميريّة التي حاولت تشريع اللاشرعيّ… وقد واجهت محاولة إلغاء جديدة في تصويب رصاص الغدر إلى رئيس الحزب في معراب في 4 نيسان 2012. حملت القوّات عام 2014 حلم كلّ لبنانيّ آمن بـالجمهوريّة القويّة الفعليّة، عبر ترشيح رئيس الحزب لمنصب رئاسة الجمهوريّة، “رئاسة لا تهاون فيها ولا ضعف ولا تخاذل”، وكان الهدف “استعادة الثقة بلبنان واستعادة اللّبنانيين الثقة بأنفسهم وقدرتهم على خوض رهان إنقاذ لبنان”. وبعد فترة من التعطيل الممنهج، استخدم فيها الفريق الآخر كلّ أدوات الانقلاب على الدستور والمؤسّسات، وتوازيا مع العمل على ختم جرح قديم داخل المجتمع المسيحيّ، وبمحاولة لإنقاذ الجمهوريّة من مخطّطات إفراغ المؤسّسات، أرست القوّات مصالحة شجاعة، وسارت بترشيح رئاسيّ عام 2016 على أسس سياديّة واضحة، ولكن كانت النتيجة أنّ مشروع البعض السلطويّ كان أكثر أهميّة من مشروع قيام الدولة واستعادة المؤسّسات، وكأنّ هذا البعض لم يتعلّمْ من تجارب القرارات والخطوات العبثيّة التي كان قد اتخذها سابقا وجرّت الدمار والمآسي على كلّ الشعب اللّبنانيّ. دخلت القوّات إلى الحكومة وكان شعارها “حرب لا هوادة فيها على الفساد”، وباعتراف الخصوم قبل الحلفاء، قدّم وزراء القوّات اللّبنانيّة أفضل نموذج لإدارة مؤسّسات الدولة، ولأنّهم كانوا شديدي الحرص على رسم حدّ فاصل لكلّ فساد ولكلّ فاسد، كان الاصطدام الكبير مع منظومة سوداء يعشّش فيها كلّ أنواع شريعة الغاب من هدر وسرقات وصفقات مشبوهة وظلام وتنفيعات على مدّ العين والنظر. تكتّل الجميع ضدّنا، محاولات عزل وتحجيم، ولكن أصررنا على خوض المواجهة، وربحنا الرهان على وعي مجتمعنا الذي منحنا ثقة مضاعفة مع 15 نائبا في انتخابات عام 2018، استكملت عبر ورش عمل وطرح حلول وخطط في كافة المجالات. في المقابل، بقيت الصورة واضحة: منظومة سوداء، وتركيبة عوجاء؛ فكانت استقالتنا عام 2019، وكنّا في ذلك الحين على يقين أنّه لا يمكن أن تقوم دولة في ظلّ وجود منظومة ممانعة وحلفائها، ليس لديهم بالفطرة أيّ حسّ لبناء دولة، وكلّ ما يهمّ البعض منهم هو خدمة “الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران”، فيما يهتمّ البعض الآخر بملء جيوبه. نقولها وبكلّ فخر إنّنا كـقوّات لبنانيّة مهّدنا عبر السنوات التي سبقت لانتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، وكان لنا في طاولة الحوار في 2 أيلول 2019 في بعبدا الموقف الداعي لجميع القيادات للتنحّي وتشكيل حكومة تقنيّين بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وكالعادة لم يقتنع هؤلاء أنّ العاصفة آتية وستهبّ لا محال. وفي 23 أيلول 2019، استتْبع موقفنا بورقة إصلاحيّة تقدّم بها وزراؤنا، ولم تلْق أيّ آذان صاغية، فكانت ثورة مجتمع برمّته من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مرورا بالجبل والبقاع والعاصمة بيروت، ثورة ناصعة حقيقيّة اخترقتها أصوات نشاز تدعو “كلّن يعني كلّن”؛ هؤلاء تعمّدوا خلط الحنطة النقيّة مع الزؤان الفاسد، فبقيت حبّة الحنطة نظيفة ممتلئة معطاءة، وسقط الزؤان تباعا مع أوّل هبّة ريح. أثبتت القوّات اللّبنانيّة أنّها قوّة التغيير الفعليّة في المجتمع الراكد، وأنّ الثورة ليست مجرّد شعارات ظرفيّة نرفعها من حين إلى آخر، بل تراكم ومسيرة مستمرّة على مرّ الأيّام والساعات.”
واضاف رئيس القوات: “تركيبة فاسدة، عوض أن تحمي مصالح الناس، حمت مصالحها وأصرّت على التمسّك بمكتسبات هي ملك الناس، وبلغت ذروة خطاياها التستّر على قنبلة موقوتة مزروعة في قلب العاصمة، كلّفت أرواحا وجروحات وخسائر كبيرة في 4 آب 2020، وما اكتفت بالتنصّل من المسؤوليّة، إنما سعت لعرقلة كلّ تحقيق وكلّ عدالة، وكنا لها بالمرصاد من اللحظة الأولى، ولم نوفّر جهدا وبابا إلّا وطرقناه، من البعثات الدّوليّة إلى المنظّمات الإنسانيّة والحقوقيّة، إلى الأمم المتّحدة ومجلس الأمن، مطالبين بلجنة دولية لتقصي الحقائق في انفجار مرفأ بيروت، ولن نستكين إلّا لكشف كامل الحقيقة في جريمة مرفأ بيروت، ولن نستكين إلّا مع محاسبة المجرم والمتواطئ والمتخاذل. وبعد ستّ سنوات من عهد مظلم، زاد فوق العتمة أزمة اقتصاديّة، وانهيارا ماليّا ونقديّا غير مسبوق في تاريخ لبنان، وفقرا وهجرة، كانت القوّات بالمرصاد، تؤكّد أنّ لا أمل لخلاص اللّبنانيين إلّا بالتخلّص من مشروع سلطويّ ومنظومة مستحكمة بمصير الناس. أتت نتائج الانتخابات النيابيّة عام 2022، معطوفة على سلسلة متواصلة من الانتصارات النقابيّة والطلابيّة، خير دليل على تقدّم الشعب اللّبنانيّ في انتفاضته المطلوبة، مع كسره حلقة الهيمنة على المؤسّسات؛ فعزّز ثقته بالقوات اللّبنانيّة بإعطائها أكبر كتلة نيابية من 19 نائبا، أجمع الكلّ على أنّهم أفضل نموذج نيابيّ في البرلمان الحاليّ، في الدور المنوط بهم كنوّاب، رقابة وتشريعا، والتزاما بالنظام والعمل المؤسّساتيّ وفق مضامين ومندرجات الدستور، فكانوا وما زالوا، وعن جدارة، نوّاب “الجمهوريّة القويّة” الموعودة. وطوال هذه السنوات، كانت القوّات في مقدّمة الصفوف تحذّر وتبادر وتعمل، أمام أزمة الوجود السوريّ غير الشرعيّ الذي استحكم بالبلاد على عهد الممانعين، واستفحل خطرا متواصلا على الهويّة والأمن فيها، كما وقفت القوّات بالمرصاد وبصلابة، مرة من جديد، مع شركائها السياديّين، بوجه محاولة خطف رئاسة الجمهوريّة لوضعها من جديد في خدمة محور الممانعة. سنوات المواجهة هذه سدّدت القوّات ثمنها تضحيات إضافيّة، وكان آخرها استشهاد رفاقنا إلياس الحصروني وباسكال سليمان وسليمان سركيس ورولان المرّ؛ لهم في عليائهم، ولكلّ الشهداء، عهد متجدّد بمواصلة الدرب. في الثامن من تشرين الأوّل 2023، وبعدما قرّر حزب الله أن يفتح جبهة حرب من دون أن يعود لا إلى الدولة ولا إلى الشعب ولا إلى المؤسّسات في لبنان، سارعت القوّات لإعلان موقف واضح وصريح، رفضا لربط لبنان بجبهات خارجيّة ومصالح إقليميّة ومعارك عبثيّة لن تجرّ إلّا الفوضى والدمار والموت على اللّبنانيين؛ الأمر الذي أثبتتْه الأيّام وما زال. للأسف، لم تنفعْ كلّ مناشداتنا لتطبيق القرار 1701 بشكل فوريّ وعاجل، من خلال مؤتمر وطنيّ عقد في معراب صيف العام 2024، ولا مطالبتنا بتسليم قرار الحرب والسّلم للحكومة اللّبنانيّة وبسط سلطة الشرعيّة مثل أيّ دولة حقيقيّة طبيعيّة فعليّة… بعدها وقع المحظور الكبير، وأدخل لبنان في حرب مدمّرة كلّفت وما زالت تكلّف اللّبنانيين الكثير من الخسائر في البشر والحجر.”
تابع: “وأمام كلّ هذه المآسي المترافقة مع فراغ رئاسيّ، وكلّ هذه العذابات التي ما عرف خلالها الشعب اللّبنانيّ أيّ استقرار منذ سنوات طويلة، كان “اللقاء الوطنيّ الثاني” في معراب في 12 تشرين الأوّل 2024، تحت عنوان “دفاعا عن لبنان”، والذي وضع مع مجموعة من أهل الرأي الحرّ خارطة طريق إنقاذيّة تقوم على انتخاب رئيس جمهوريّة وتكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة وفق نصوص الدستور، يتعهّدون مسبقا وعلانية بتطبيق القوانين والقرارات الدوليّة 1559، 1680 و1701، عبر بسط سلطة الشرعيّة على كامل الأراضي اللّبنانيّة وترسيم كامل الحدود اللّبنانيّة، مع إنهاء كلّ المظاهر المسلّحة غير الشرعية للمجموعات اللّبنانيّة وغير اللّبنانيّة، للبدء فعليّا ببناء جمهوريّة سليمة تحفظ كرامة كلّ لبنانيّ ومصلحة كلّ لبنانيّ. مسيرتنا كانت درب جلجلة بكلّ ما للكلمة من معنى، لكنّ التزامنا بها لم يعرف يوما لا هروبا ولا نكرانا ولا تلوّنا ولا مسايرة، لأنّنا آمنّا أنّ كلّ التضحيات لن تزهر سوى قيامة… وهكذا كان. التزامنا بقضيّة الإنسان ولبنان، عن طريق المقاومة المستمرّة ، في السّلم كما في الحرب، لم يكنْ ليكتمل من دون مشروع ورؤية ونظام وعمل مؤسّساتيّ حزبيّ كامل متكامل، لمواكبة جادّة وصلبة للعمل السياسيّ في حقول الشأن العامّ. من هنا، إنّ المسؤوليّة الملقاة على عاتق القوّات اللّبنانيّة منذ عقود هي مسؤوليّة متوارثة من الأجداد الأوائل الذين قاوموا الظلم وصمدوا صمودا مجيدا مقدّسا، هي مسؤوليّة تاريخيّة حملتْها أجيال من الأجداد حتى الأحفاد؛ مسؤوليّة إرساء عيش كريم وآمن لكلّ إنسان، حيث لا خوف ولا يأس ولا ذلّ، حيث لا قلق لا على مصير ولا من مسار؛ مسؤوليّة تثبيت حرّيّة لا ذمّيّة فيها، وديمقراطيّة لا شموليّة حولها، ووجود لا منّة من أحد في صونه أو حفظه. إنّ دور القوّات اللّبنانيّة ليس دورا حزبيا ضيّقا يشبه دور الأحزاب التقليديّة داخل المجتمعات، بل هو نضال تراكميّ يحمل إرث شعب متجذّر منذ آلاف السنين في هذه الأرض. إنّ لبنان أمانة في أعناق القوّات اللّبنانيّة، وكلّما ثبّتْنا القوّات في مشروعها وتنظيمها وانتظامها وسيرورتها، كلّما كنّا حاضرين أكثر فأكثر في حماية لبنان القضيّة والوجود الحرّ.”
ولفت جعجع إلى أن البعض البائس يروّج بين الحين والآخر طروحات خاطئة تعتبر أنّ كلّ الدم والعرق والدموع والعذابات التي قدّمت، ذهبت سدى، وقد فات هذا البعض أنّه لولا كلّ هذه التضحيات، لما بقي من وطن، ولما بقي من مساحة حرّيّة للتعبير أو للحياة الحرّة. نعم، خسرنا الكثير من الرفاق ومن سنوات العمر، ولكنّنا ربحنا وجودنا وأرضنا ومستقبل وطننا. فالأوطان كما قال المثلّث الرحمات البطريرك مار نصرالله بطرس صفير( رحمه الله)، الذي رافق نضالنا ورعى ثباتنا في عزّ الصعاب: “الأوطان لا تحمل بالجيوب، من حمل وطنه في جيبه لا وطن له”. الأوطان تحمل في القلوب وبالتضحيات اليوميّة المستمرّة.” يضيف” أمّا بعد، فتخرج أصوات مضلّلة ومضلّلة، تائهة في شعبويّتها وفي سفسطائيتها، لتشيطن العمل الحزبيّ، وقد فاتها أنّ أكثر المجتمعات حضارة وتطوّرا ونجاحا تقودها الأحزاب بالمشروع والفكر والطرح العملانيّ؛ فالمشكلة ليست بالعمل الحزبيّ كما يسوّق، بل تكمن في تحويل البعض، وعلى مدى سنوات، المؤسّسات الحزبيّة في لبنان وسيلة للمكتسبات والتنفيعات السلطويّة، كما حوّلوا الدولة ككلّ الى مطيّة لمصالحهم الشخصية.”
ودعا جعجع الرفيقات والرفاق إلى أن يكونوا دائما “على أهبّة الاستعداد، فكما ناداكم واجب المقاومة العسكريّة، وواجب النضال السّلميّ، وواجب المواجهة الديمقراطيّة على مدى خمسة عقود متواصلة، وكنتم على أتمّ الجهوزيّة، ها إنّ الواجب يناديكم مجدّدا لبناء الدولة الحلم، بكلّ ما أوتيتم من إيمان والتزام وتجربة وخبرات ونضال ومعرفة وعلم وتعلّق بالأرض وبذل للذات فيها.”
وشدّد على أنه “صحيح أنّنا قد حقّقنا الكثير، وصحيح أيضا أنّ أكثريّة في المجتمع قد أعطتْنا ثقتها، ولكن هذا لا يعني إطلاقا أنّه أصبح بإمكاننا أن نرتاح. على العكس من ذلك تماما، فالحفاظ على النجاح أكثر صعوبة بعد من تحقيقه، والثقة التي منحنا إيّاها الناس هي دين علينا وحمل ثقيل ألقي على أكتافنا.”
وقال: “لقد عاش اللّبنانيون عقودا من الزمن في ظلّ دولة لا تشبههم ولا تحقّق لهم ولو الحدّ الأدنى ممّا يطمحون إليه من مؤسّسات عامّة تعمل كما يجب، وفعلا في خدمة المواطن؛ عاشوا في العتمة والعطش والعوز والبطالة، والأهمّ من هذا كلّه أنّهم عاشوا غير آمنين، غير مستقرّين، لا يدرون ماذا يحمل لهم الغد، وكأنّهم متروكون لقدرهم ولحملة السلاح ولخطط الأسد وإيران، من دون أن يشعروا بأنّ لهم دولة تحميهم، تضع الخطط من أجلهم، تحافظ على أموالهم ومقتنياتهم، وتفتح لهم آفاق المستقبل. لقد ضاق اللّبنانيون ذرعا بواقعهم المذريّ، وهذا ما دفعهم للانتفاض بقوّة في 17 تشرين الأوّل 2019، وهذا أيضا ما دفعهم إلى وضع ثقتهم أكثر فأكثر بـالقوّات اللّبنانيّة. أستطيع القول إنّه ربّما تكون القوّات اللّبنانيّة الأمل الأخير لدى اللّبنانيين؛ فلا نستطيع أن نخذلهم البتّة، مهما كلّف الأمر ومهما كان الثمن. لكنّني اليوم، ومن على هذا المنبر بالذات، أقول لكلّ من أعطانا ثقته، ولمن لم يعطنا إيّاها بعد، بأنّنا كـقوّات لبنانيّة لم نخذلْ يوما من أعطانا ثقته، ولن نفعل اليوم. إنّ ما هو مطلوب من كلّ فرد منّا، منتسبا مناضلا عاديّا كان، أم رئيس خليّة، أم رئيس دائرة، أم رئيس مركز، أم رئيس مكتب، أم رئيس جهاز، أم رئيس مصلحة، أم منسّق منطقة، وصولا إلى الهيئة التنفيذيّة ورئيس الحزب، هو أضعاف ما فعلناه في السابق. لقد كنّا في السابق دوما في مواقع دفاعيّة، انطلاقا من الظروف التي فرضت على البلاد؛ أمّا اليوم فعلينا الاستعداد لنكون في مواقع هجوميّة لإنقاذ لبنان. لأنه لن يتوقّف السارق عن سرقاته إلّا إذا ردعناه، لن يتوقّف الفاسد عن امتصاص دماء الناس إلّا إذا أوقفناه، لن يقوم المتردّد بالمبادرة إلّا إذا دفعناه، لن يترك الفاشل مركزه إلّا إذا أقصيْناه، ومن صادر قرار الدولة وسيادتها لن يعيدهما إلّا إذا ألزمناه. الدولة تعني السلطة، طبعا بقوانين، لكنّها تعني أيضا سلطة؛ والسلطة هيبة ووضوح وتصميم واستقامة بالدرجة الأولى، وبعدها يأتي استعمال القوّة إذا اقتضى ذلك ظرف معيّن. لقد شبع اللّبنانيون من حالة اللادولة التي ما زالوا يراوحون فيها منذ عقود. قضيّتنا في هذه المرحلة ومشروعنا السياسيّ هما أن ننقل البلاد من حال “اللادولة” إلى “الدولة الفعليّة”. والدولة الفعليّة لا تعني فقط الدولة التي لا تقبل بأيّ سلاح خارجها، بل أيضا الدولة التي لا تقبل بأيّ فساد أو لامسؤوليّة أو فشل في داخلها؛ فكما أنّ أمن المواطن واستقراره خطّ أحمر لا يجب أن يتخطّاه أحد، كذلك فإنّ لقمة المواطن وفرص عمله وبناه التحتيّة وبحبوحته أيضا خطّ أحمر لا يجب أن يتخطّاه أحد.”
وأردف: “بكثير من الوضوح والشفافيّة، هذا هو برنامجنا للمرحلة الحاليّة، نناضل في سبيله بالإيمان نفسه والعزم والصلابة التي تحلّينا بها في المراحل السابقة. أيّتها الرفيقات، أيّها الرفاق، أيّتها اللّبنانيّات، أيّها اللّبنانيون، لقد قطعنا الجزء الأصعب من مسيرتنا نحو “الوطن الحلْم”، حلْم بشير الجميّل منذ ثمانينات القرن الماضي. ولم يبق إلّا أن نستمرّ في النضال من أجل تحقيق الجزء الأسهل؛ فبعد أن تقطع رؤوس الأفاعي، يصبح التخلّص من الأذناب والبقايا والرواسب والمنتفعين أكثر سهولة، أكثر سهولة بكثير. من ناحية أخرى، وعلى مستوى آخر، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حياتنا الوطنيّة منذ سنوات الاستقلال حتّى اللحظة لم تكن يوما كما تمنّتْها الأكثريّة الساحقة من اللّبنانيين؛ فلقد كنّا ننتقل من أزمة كبيرة إلى أزمة أكبر كلّ بضع سنوات، وبالكاد نستطيع أن نستذكر مرحلة ولو صغيرة من تاريخنا الحديث يمكن اعتبارها مرضية. من هذا المنطلق، نحن مصمّمون، وبمجرّد أن تسمح لنا الظروف، على طرح إعادة النظر بتركيبة الدولة الحاليّة تطلّعا للأفضل، ولكن كلّ ذلك ضمن حدود لبنان المعترف بها دوليّا، ضمن الـ 10.452 كلم². كنت أودّ أن أنهي كلمتي في افتتاح هذا المؤتمر عند هذا الحدّ، لكنّ الظروف التي تمرّ بها البلاد دفعتني إلى توجيه رسالتين مفتوحتين من على منبر هذا المؤتمر إلى المعنيّين: أوّلا، رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهوريّة ودولة رئيس مجلس الوزراء: تعلمون من دون أدنى شكّ كم كان فرح اللّبنانيين كبيرا بتولّيكم مسؤوليّاتكم. لكن للأسف، أقلّه حتّى الآن، لم يترجمْ هذا الفرح أمنا واستقرارا وثقة بالمستقبل. صحيح أنّ الحكومة الحاليّة أقدمت على بعض الخطوات بالاتجاه الصحيح، وصحيح أيضا أنّه لا تفوح منها أيّ روائح فساد وصفقات، ولكن ليس بهذا وحده يحيا اللّبنانيون. من المؤكّد أنّكم تعلمون، كما يعلم اللّبنانيون جميعا، أنّ الاتجاه الذي تتّخذه الأحداث في لبنان ليس سليما، كي لا أقول خطرا. بعيدا من المهاترات والإيديولوجيّات والتحاليل غير المجدية، تقع عليكم مسؤوليّة تجنيب البلاد ما هو أعظم، إذا لم أقلْ أيضا انتشالها من حيث هي وإيصالها إلى برّ الأمان. فخامة الرئيس، دولة الرئيس، إنّ البحث في “جنس الملائكة”، وبالطروحات النظريّة وتحديد المسؤوليّات الاستراتيجيّة، وإعادة النظر بمفاهيم السيادة والاستقلال والوطنيّة، كلّها مضيعة كبيرة للوقت ولا تؤدّي إلى أيّ نتيجة سوى إلى إضاعة المزيد من الوقت. السؤال الوحيد الذي يجب أن يشغل بالكم في الوقت الحاضر هو: ما الذي يجب فعله لإنقاذ لبنان واللّبنانيين ممّا هو أعظم وإيصالهم إلى برّ الأمان؟ لقد أصبح واضحا للقاصي والداني أنّ التنظيم العسكريّ والأمنيّ لحزب الله هو في صلب المشكلة الكبرى التي نعيشها. والجميع مجمع على أنّ حلّ التنظيم العسكريّ والأمنيّ لحزب الله هو المقدّمة الإجباريّة لأيّ انفراج للوضع الماليّ. من جهة ثانية وأساسيّة، إنّ وجود التنظيم العسكريّ والأمنيّ لحزب الله هو أصلا عالة كبرى على الجسم اللبناني؛ فهذا الوجود مناقض تماما لاتفاق الطائف وللدستور، كما هو مسؤول عن وضعيّة “اللادولة” التي نعيش فيها منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، بالإضافة إلى ما تسبّبه من اغتيالات وتعدّيات على العديد من القيادات والمناطق اللّبنانيّة، إلى مسؤوليّته الكبرى عن الشلل الذي حصل في العقود الأخيرة في جسم الدولة اللّبنانيّة والذي أدّى إلى كلّ الكوارث التي ألمّت بنا، خصوصا حرب 2024 والتدهور الاقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ الذي سبقها. مع كلّ هذه الأسباب الموجبة، وبالأخصّ مع رغبة أكثريّة واضحة من اللّبنانيين بحلّ كلّ ما هو عسكريّ وأمنيّ خارج الدولة، لا نجد سببا أو مبرّرا للتأخير الحاصل في حلّ الأجنحة العسكريّة والأمنيّة لحزب الله، خصوصا بعد قراريْ مجلس الوزراء في 5 و7 آب المنصرم. إنّ التذرّع بحرب أهليّة “مزعومة” ليس في مكانه، إذ إنّنا لا نتحدّث عن خلاف بين حزبيْن أو بين مجموعتيْن مدنيّتيْن، بل نحن نتحدّث عن قرارات اتّخذتْها الدولة؛ دولة شرعيّة كاملة المواصفات، وبكلّ وعي وإدراك. من جهة ثانية، هل يجوز، ومهما كانت الذرائع، ترك لبنان واللّبنانيين في مواجهة المجهول وما هو أعظم، فقط “كرمى لعيون” بعض المسؤولين الحزبيّين المرتبطين أصلا بالقرار الإيرانيّ، وليس بأيّ قرار لبنانيّ؟ ومن ثمّ، بأيّ منطق تخضع الأكثريّة في لبنان لتصرّفات الأقليّة، وتخضع الشرعيّة لتصرّفات “اللّاشرعيّة”؟ وأين أنتم، الممثّلون الفعليّون الشرعيّون للدولة، من ذلك؟”.
وتابع: “فخامة الرئيس، دولة الرئيس، أنا أتوجّه إليكم لا من موقع الخصومة، ولا من موقع المنافسة، بل من موقع اللّبنانيّ “الضنين” على بلاده، وبالأخصّ على مستقبل أجياله. إنّ رمي كرة النار هذه في حضن الجيش وحده لا يجوز؛ فمع عمل الجيش، هناك عمل سياسيّ، تصميم سياسيّ واضح وحاسم تجاه كلّ من يرفض تنفيذ قرارات الحكومة في 5 و7 آب. فليس من المنطق بمكان الطلب من الجيش الاهتمام ببعض الفروع، بالوقت الذي تصدح فيه الأصول علنا ويوميا، برفضها لقرارات الدولة، وباستمرارها بإعادة تأهيل بنيانها العسكريّ والأمني ، وتسايرونها على الرغم من كل ذلك بتمييع خطابكم السياسي، بدلا من ان تكونوا واضحين صريحين حاسمين معها، وتلزموها أنتم بتبنّي خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة بشكل واضح وصريح. إنّ المطلوب في الأيّام الحسّاسة التي نعيشها إعلان سياسيّ واضح جدّا، وليس مجرّد كلمات؛ إعلان يتكرّر كلّ يوم، في العلن وفي الاجتماعات المغلقة، ومن ثم تتبعه خطوات سياسيّة وإداريّة واضحة لوضع هذه الأصول الفاجرة عند حدّها. فخامة الرئيس، دولة الرئيس، من الممكن للأيّام أن ترحم، لكنّ التاريخ لا يرحم أبدا؛ فلنساهمْ جميعا في صناعة هذا التاريخ قبل فوات الأوان، لنكون في صلب التاريخ بدلا من أن نكون عرضة لأحكامه.”
اما الرسالة الثانية فوجهّها رئيس القوات إلى دولة الرئيس نبيه برّي قائلا: “دولة الرئيس، لطالما تخاطبنا بصراحة واحترام، على الرغم من خصومتنا السياسيّة العميقة. لكنّ ما تقوم به في الوقت الحاضر بما يتعلّق بقانون الانتخاب تخطّى كلّ حدود. فأوّلا، هناك اقتراح قانون “معجّل مكرّر” موقّع من نوّاب يمثّلون أكثريّة في المجلس النيابيّ منذ أكثر من سبعة أشهر، وأنت تتجاهله، وهذه سابقة في العمل النيابيّ في لبنان منذ الاستقلال حتّى الساعة. وثانيا، هناك مشروع قانون معجّل أرسلته الحكومة منذ أسبوعين ونيّف، فقمت دولتك، وبخطوة “مسرحيّة”، بإحالته إلى اللّجان النيابيّة المعنيّة، مع توقّعاتنا بأن تحيله إلى مزيد من اللّجان حتّى مرور الوقت وتعطّل الانتخابات النيابيّة المقرّرة في أيّار 2026. تستطيع أن تتذرّع بالنظام الداخليّ لمجلس النوّاب قدْر ما تشاء، ولكنّ هذا لا يخفي نيّتك “المبيّتة” بفعل كلّ ما يلزم، وبكلّ الأساليب، لتعطيل انتخاب المغتربين في أماكن تواجدهم في الخارج. دولة الرئيس، إنّ كلّ نظام له روح وله حرْف؛ المهمّ بالدرجة الأولى احترام “روح” النظام وبعدها احترام “حرفه”. فأين هي روح النظام في تعطيل وصول اقتراح قانون معجّل مكرّر، ومن ثّمّ ومشروع قانون معجّل، إلى الهيئة العامّة لمجلس النوّاب التي لها وحدها اتّخاذ القرار باقتراع المغتربين حيث هم أم لا، وعلى بعد أسابيع قليلة جدّا من انقضاء المهل المطلوبة للتحضير كما يجب للانتخابات؟ إذا كان حرف النظام يسمح لك في ظروف عاديّة بإحالة اقتراحات ومشاريع قوانين معقّدة إلى اللّجان لدراستها وإشباع تفاصيلها التقنيّة درسا، فأيّ “حرف وروح” في النظام يسمح لك بإحالة اقتراحات قوانين معجّلة ومشاريع قوانين معجّلة من لجنة إلى لجنة، في حين لم يعد الوقت يسمح، وفي حين أنّ كلّ المطروح هو تفصيل واحد أو اثنان، وليست قوانين برمّتها؛ كانت الحكومة قد أبدتْ رأيها التقنيّ فيها، ولا يلزم سوى اتّخاذ قرار من قبل الهيئة العامّة. إنّ المطروح اليوم ليس قوانين برمّتها مع مجموعة كبيرة من التقنيّات، بل المطروح بكلّ بساطة خلاف سياسيّ حول اقتراع المغتربين في الخارج؛ أفلا يستدعي ذلك، والأمر على ما هو عليه، إرسال مشروع القانون المرسل من الحكومة إضافة إلى اقتراح القانون المعجّل الموقّع من النوّاب، مع غيرها من الاقتراحات إن شئت، إلى الهيئة العامّة للبتّ بها؟ دولة الرئيس، إنّ النظام الداخليّ وجد لتطبيقه بكلّ نيّة حسنة، وخدمة لـروح النظام الداخليّ، وليس لاستعماله مطيّة للوصول إلى غايات حزبيّة ضيّقة، وتعطيل مجلس النوّاب ومحاولة تعطيل الانتخابات النيابيّة. دولة الرئيس، إنّ الصراحة في الحياة تبقى الطريق الأفضل والأسهل للجميع. لذلك فضّلت أن أصارحك اليوم وأن أطلب منك أن ترحم المجلس النيابيّ والحكومة واللّبنانيين جميعا، مقيمين ومنتشرين، بتوقّفك عن التعطيل، وإحالة كلّ ما له علاقة بقانون الانتخاب إلى الهيئة العامّة في أسرع وقت ممكن، وعلى الهيئة العامّة عندها أن تتّخذ القرار المناسب.”
وختم متوجها الى الرفاق والرفيقات: “إنّ المؤتمر العامّ الأوّل الذي ينعقد اليوم هو محطّة أساسيّة في تاريخ مسيرتنا النضاليّة الحزبيّة، لأنّه تتويج لمرحلة تأسيسيّة من الانتظام الحزبيّ، ونقطة انطلاق لنزيد على بنائنا الحزبيّ ما يحفظ بنيانه ويعزّز أساساته… لحزب عايش حقبة مفصليّة من تاريخ لبنان وخاض غمارها بشجاعة ومسؤولية، ويتطلّع إلى صناعة الحاضر والمستقبل. أيّتها اللّبنانيّات، أيّها اللّبنانيون، إنّ القوّات اللّبنانيّة ليست حزبا تقليديّا، وليست حزب المنتسبين إليه والمناصرين فقط؛ إنّها حزب كلّ لبنانيّ توّاق إلى العيش الحرّ الكريم على هذه البقعة من هذه الأرض. لبنان بحاجة لنا جميعا، وهو بحاجة إلى كلّ واحد منّا، وكلّ واحد منكم. لنبْن معا ما تهدّم، نحو لبنان جديد؛ لبنانْ السيادة، لبنانْ الحداثة، لبنانْ التنوّع، لبنانْ التألّق في مختلف المجالات والميادين.”
مكزرل:
بدوره ألقى الأمين العام للحزب إميل مكرزل كلمة شدّد فيها على أن العمل السياسي “ليس مجرد تراكم مواقف بل فعل تواصلي تبنى من خلاله الجماعة على قاعدة العقل والمسؤولية المشتركة، من هنا، فإن إجتماعنا اليوم ليس حدثا تنظيميا فحسب، بل لحظة تأمل جماعي في معنى الإنتماء، وفي كيفية تحويل طاقة الجماعة الى قوة فاعلة في خدمة الانسان والقضية.”
وشرح جوهر التنظيم “وهو ليس آليات وهيكليات وحسب، بل هو فلسفة تعتبر أن الفرد يكبر داخل الجماعة، وأن الجماعة لا ترتقي إلا حين يعرف كل فرد دوره، وحين يلتزم الجميع بأخلاقية المشاركة والنظام الذي يرعى هذا النضال المشترك.”
وقال: “نجتمع اليوم تحت شعار “قوات نحو المستقبل”.لكن المستقبل، والقول لهيدغر، “لا ينتظر بل يسكن”. يسكن بقرار وبرؤية وبقدرة على إدارة الذات الجماعية بطريقة تجعل الحزب ليس مساحة تعبير فقط، بل بنية حية تنمو وتتجدد وتنتج. وهذا ينطبق على القوات اللبنانية التي تحوّلت، عبر تاريخها وما راكمته من خبرات، الى ما يشبه “الجماعة الواعية”، جماعة تدرك لماذا تجتمع، ولماذا تستمر، وكيف تبني وتنظم قوتها الأخلاقية والسياسية في سبيل هدف واحد: قيام دولة قادرة، تعددية، سيدة، حرة، ومستقلة نعيش فيها وبها قناعاتنا.”
اضاف: “في هذا المؤتمر، نعيد سويا تثبيت ثلاث ركائز فكرية أساسية لبناء أي تنظيم سياسي حديث: الركيزة الأولى هي شرعية العقل الجماعي. القرار الذي يصدر عن مؤسسات واضحة يكون اكثر قوة من القرار الذي يتخذ بشكل منفرد. والعقل الجماعي حين ينتظم يتحول الى قوة لا تكسر، فيما الركيزة الثانية تعتمد على أخلاقية المسؤولية التي تعلو على المصلحة الآنية، وتضع القضية فوق الحسابات، وتستبدل رد الفعل بالفعل المخطط الهادف. أما الركيزة الثالثة فتتمحور حول قدرة التنظيم على إنتاج الامل، فالسياسة، في بعض من معناها العميق، هي إدارة الرجاء العام، وبالتالي حزب لا يخلق الأمل بعمله التراكمي لا يستطيع أن يصنع المستقبل وان يهزم الإستسلام.”
وبعدما شكر كل الرفاق الذين حملوا روح المؤسسة وواكبوا التحضير لهذا المؤتمر، أكد مكرزل” أننا نلتقي اليوم لا لندير مؤتمرا بالمعنى الضيق للكلمة، بل لندير رؤية، لا لنناقش بنودا فقط، بل لنؤكد معا شكل الجماعة التي ننتمي اليها: جماعة منضبطة، راشدة، تمتلك الوعي الذي يسمح لها بأن تكون قوة بناء في زمن الإنهيار.”
وكان الاحتفال قد استُهِلّ بالنشيدين الوطني والقواتي، ثم وقف الحضور دقيقة صمت عن أرواح شهداء المقاومة اللبنانية. بعد ذلك عُرض وثائقي يروي تاريخ “القوات اللبنانية” منذ نشأتها حتى اليوم.
وفي الختام، كانت كلمة لجعجع تتعلّق بالشؤون الداخلية للحزب ومن ثم إصدار التوصيات.