“عندما يتحوّل الأمل إلى إيمان” (سعيد غريّب)

‏”
 
قبل خمسة عقود، كانت الحياة السياسيّة في لبنان يغلب عليها طابع المنافسة الديموقراطية الحادّة، لا الإلغائية القاتلة. كبرنا ونحن نلهج بأسماء كبيرة علّمتنا حبّ الوطن والتعلّق بأحرف الوطن ولبنان، وأن تكون سياسة لبنان اللبنانيّة والعربيّة والدوليّة بحجم سياسة دولة كبرى. أسماء كانت غالباً ما تجيب قبل أن تُسأل، وإذ بها تعرف السؤال قبل الجواب وتصيب في السؤال والجواب.
اليوم، وفي الذكرى ال82 لدولة الاستقلال وليس لاستقلال الدولة، وعشية زيارة قداسة البابا لاوون إلى لبنان، ترانا نبحث عن فانوس سعيد عقل الذي استعان به، ذات يوم، ليجد كبيراً. وإذا وفّقنا وعثرنا عليه فلن نجد لا كبيراً ولا نجد من يشعل النار في الفانوس.
لقد انطفأ الفانوس لأنّه لم يرَ جديراً بنقل نوره وتوزيعه على مساحة الوطن بعدما استعرض كلّ الرؤوس. ولم يعد رأس يعادل رؤوس كبار حاولوا ترجمة الفكرة إلى واقع والدولة إلى وطن.
صحيح أنّ الزعامات التاريخيّة إحدى قصص هذا الوطن، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ الزعامات الجديدة هي قصص تحلّل هذا الوطن وربّما زواله عن الخريطة السياسيّة والجغرافيّة.
صحيح أنّ الرجالات التاريخيّين كانوا رجالات الأزمات الحكوميّة والأزمات السياسيّة ورجال الأزمات الثوريّة، إلّا أنّ أولئك الرجال لم يسمحوا يوماً لهذه الأزمات بأن تمسّ الكيان اللبناني ولا الجمهوريّة اللبنانية ولا ا للسيادة اللبنانيّة. كان معظمهم رجال الوفاق في ذروة الخلاف، ورجال الحوار في ذروة المقاطعة، ورجال دولة في ذروة الاعتكافات والاستقالات الشفهيّة. كانوا يعرفون حدود لبنان وحدودهم ويقفون عندها، ولم يسمحوا مرّةً بأن تقضي السياسة على الدولة. أولئك حافظوا على الكيان وعلى الجمهوريّة وعلى السيادة، وهؤلاء فرّطوا بالكيان والجمهوريّة والسيادة.
إلى ذلك يبقى دائماً الأمل الذي تحوّل إلى إيمان.
أملٌ برجالٍ مكانهم في الوطن وليس في المهجر، بمفكّرين لا بمجموعات هاجمة على الأماكن والكراسي والمقاعد.
أملٌ بأرض كاملة محرّرة نظيفة وإدارات نظيفة وحكمٍ نظيف وشاشات نظيفة.
أملٌ بعائلةٍ لا تفرّقها الخيانات ولا الواتس اب ولا الهوس بالمال والجشع القاتل.
أمل ٌبحياة خالية من التصنّع النفسي والتصنيع الجسدي والمخدّرات والموت السريع.
أملٌ بعيش هنيء مريح لا تعكّره إطلالات المنجّمين والفلكيّين والفلاسفة الاستراتيجيين.
أمل ٌبوطن شامخ ذكي عفيف هادئ يبنيه رجال شامخون وأذكياء، لا أشباه رجال هاجسهم الوحيد المال والصفقات.
أملٌ بألّا نتعامل بعد اليوم بالتزوير والتهريب والدعارة والسعي إلى الفساد.