الأمور ذاهبة إلى تصعيد أكبر فأكبر


أجرَت قناةُ “القاهرة الإخبارية” حواراً مطوّلاً مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في المقر العام للحزب في معراب، تطرّق فيه إلى تطوّرات الجنوب، واتفاق وقف إطلاق النار، ودور “حزب الله” والسلاح غير الشرعي، والموقف الأميركي والدولي، والانتخابات النيابية المقبلة، ومسار الحرب في غزة، والدور المصري والعربي، موجِّهاً في الختام رسائل مباشرة إلى الشارعين اللبناني والعربي.
لحظة دقيقة وخطيرة… كان يمكن تفاديها
في بداية اللقاء، سأل المحاور جعجع عن توصيفه اللحظة الراهنة في لبنان، في ظلّ التصعيد الإسرائيلي في الجنوب، واستهداف مخيّم عين الحلوة، وعودة التهديدات والعمليات، قائلاً إنّ الشارع يتابع في الأيام القليلة الماضية تدهوراً خطيراً، وسأله: كيف تُوصَف هذه اللحظة في لبنان اليوم؟


فأجاب جعجع مؤكِّداً خطورة المرحلة وإمكان تفاديها، وقال: “طبعاً هذه لحظة دقيقة وخطرة ومؤلمة ودموية. ما يؤسفني فعلاً هو أنّه كان بإمكاننا تجنّب هذه اللحظة ولم نفعل”.
وعاد المحاور ليسأله: ولكن كيف يرى هذه اللحظة بالنسبة للبنان اليوم؟
فشرح جعجع الخلفية والخيارات المتاحة، قائلاً: “هذه اللحظة، كما قلت لك، دقيقة وخطرة، لأنّها يمكن أن تتدحرج إلى ما هو أسوأ من ذلك، كما أنّه يمكن أن نستدرك الوضع إذا تصرّفنا كما يجب. وهنا نقطة خلاف أساسية مع (محور الممانعة). أريد أن أقول لك شيئاً، لا يكفي أن تلعن الظلام، تلعن وتلعن وتلعن، في الوقت الذي تحمل بيدك شمعة وتستطيع أن تُشعل هذه الشمعة، أقله لتضيء أمامك قليلاً. إلا أنّ ما يفعله جماعة (الممانعة) أنّهم ليل نهار لا يفعلون شيئاً سوى الإدلاء بالتصريحات: إسرائيل وإسرائيل وإسرائيل وإسرائيل. نحن جميعاً متّفقون على توصيف إسرائيل، وهذا شيء طبيعي لا خلاف عليه بين أي أحد وآخر، لكنّ السؤال الأهم الذي يغيب عن أذهانهم هو: ماذا يجب أن نفعل لتجنّب هذا الشرّ؟ هذا هو السؤال الكبير.
في ما يتعلّق بلبنان، فالأمور بالنسبة إليّ واضحة جداً، وبالنسبة إلى كثيرين، وبصراحة الآن بالنسبة إلى أكثرية اللبنانيين أيضاً واضحة جداً. سأطرح عليك سؤالاً: افترض أنه في الثامن من تشرين الأول 2023 لم يُقْدِم (حزب الله) على ما سمّاه حينذاك (حرب الإسناد)، وبقيت الحدود اللبنانية – الإسرائيلية هادئة كما كانت. هل كان بإمكان إسرائيل، كما يقولون بالإنكليزية Out of Nowhere، أن تأتي وتشنّ هجوماً على لبنان؟ بالطبع لا”.
مزارع شبعا، الذريعة والسؤال عن السبل الصحيحة
وعندما قاطعه المحاور بالتذكير بوجود احتلال قائم، وبأنّ هناك أراضي محتلة، ردّ جعجع على مقولة «سلاح المقاومة» وعلى استخدام مزارع شبعا كذريعة، قائلاً: “لا لا. هناك إشكالية اتّخذها (حزب الله) حجّة، وتُدعى مزارع شبعا. هذه إشكالية قانونية بيننا وبين سوريا والأمم المتحدة. ولكن، عندما تُحلّ هذه الإشكالية تُحلّ مشكلة مزارع شبعا. وفي كلّ الأحوال، إذا كانت لديك مشكلة – ولنفترض، ونسلّم جدلاً لضرورات البحث ليس إلا – إذا كان هناك من إشكالية في مزارع شبعا، يجب السعي لحلّ هذه الإشكالية بالطرق التي تؤدّي إلى نتيجة، لا بالطرق التي تؤدّي إلى أزمات أكبر وأكبر وأكبر وأكبر.
هل تعرف ما هو مطلبنا الآن؟ إخراج الإسرائيليين من النقاط الخمس التي تمركزوا فيها بعد (حرب الإسناد). شيئاً فشيئاً، ما الذي سيتحوّل إليه مطلبنا؟ سيكون وقف العدوان الإسرائيلي. كلّ هذا كنّا في غنى عنه.
مثلاً، كما هو الوضع في غزة، يقولون إنّه يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار، في حين أنّه قبل كلّ ما حصل كان هناك وقف لإطلاق النار، وكانت غزة تعجّ بالحياة. كنّا نعرف كيف كانت غزة قبل هذه الحرب. وإذا أردنا فتح حرب على غزة، يجب أن نكون قد وفّرنا مقوّمات هذه الحرب، ومقوّمات الاستمرار فيها. وإلا كيف تقوم بفتح حرب على غزة وتعود الآن لتتباكى في كلّ لحظة على أنّ إسرائيل تعتدي. هذا أمر معروف وليس سرّاً على أحد؛ السرّ الذي لا يعرفه أحد عندهم هو الجواب على السؤال: لماذا ذهبتَ أنتَ واستفززت هذا الدبّ النائم وأيقظتَه من ثباته؟”.
اتفاق وقف إطلاق النار: من التزم ومن خرق؟
انتقل المحاور إلى ملفّ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، مشيراً إلى أنّ «حزب الله» والرئيس برّي يقولان إنّهما التزما بالاتفاق، فيما تتّهم إسرائيل بعدم الالتزام.
وسأل جعجع: ما تقييمه لهذا السجال؟
فقدّم جعجع قراءة مفصّلة للاتفاق، فقال: “هذا القول نصفه صحيح ونصفه خطأ. أن إسرائيل لم تلتزم بالاتفاق، هذا صحيح. أمّا أنّهم التزموا هم بالاتفاق، فهذا خطأ. سأخبرك لماذا؛ المسألة سهلة. اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 موجود، ولسنا نتحدّث عن شيء غير موجود. الاتفاق موجود، وأنا أتمنّى عليك، أستاذ أحمد، أن تضع بنوده وفصوله كلّها أمام المشاهد في المقدّمة.
في كثير من بنوده ينصّ الاتفاق على أنّ على لبنان أن يقوم بحلّ كلّ التنظيمات العسكرية والأمنية غير الشرعية، وأن يصادر سلاحها ويضعه لدى الجيش اللبناني. هذا هو الشقّ المتعلّق بلبنان. أمّا الشق المتعلّق بإسرائيل، فهو الخروج من لبنان وعدم الاعتداء. لا (حزب الله) نفّذ ما كان عليه أن ينفّذه، ولا إسرائيل بالتالي. هنا المشكلة من جديد.
كان لديك الولايات المتحدة وفرنسا تشرفان على تنفيذ الاتفاق عند وقف إطلاق النار، لكنّ (حزب الله) لم ينفّذ ما عليه، فأصبحت لدى إسرائيل حريّة حركة كما تريد. والأميركيون والفرنسيون يقولون: عندما يقوم (حزب الله) بتنفيذ ما عليه، نقول نحن للإسرائيليين أن يخرجوا من لبنان وأن يوقفوا اعتداءاتهم.
وأكبر دليل، أستاذ أحمد، أنه إذا حصل خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة؛ خرق بسيط، يهبّ العالم كلّه ليقول إنّ إسرائيل خرقت وقف إطلاق النار. بينما في لبنان، كلّ يوم تخرق إسرائيل وقف إطلاق النار مئة مرّة، ولا أحد يقول شيئاً، لأنّ المفهوم العام هو أنّ (حزب الله) لم يقم بما كان عليه القيام به، وحتى اللحظة ما تزال المشكلة قائمة؛ (حزب الله) لم يقم بما كان عليه القيام به، وهو حلّ أجنحته العسكرية والأمنية والتحوّل إلى حزبٍ سياسيّ بهذه الوساطة”.
إلى أين يتّجه التصعيد… وهل من حرب واسعة؟
سأل المحاور عن خشية الشارع اللبناني والعربي من اندلاع حرب جديدة واسعة على لبنان، طالباً من جعجع قراءة المعطيات المتاحة لديه.
فأجاب رئيس “القوات اللبنانية” مبدياً حذره من السيناريوهات الدقيقة، مع تأكيده على اتجاه الأمور نحو التصعيد، وقال: “صراحة لا أدري، وبشكل دقيق لا أعرف، لكنّي أعرف اتّجاهات الأحداث. الاتّجاه هو نحو التصعيد. إلى أيّ حدود سيصل التصعيد؟ هل هو عبارة عن مزيد من الضربات وفي العمق أكثر وأكثر؟ أم مزيد من الضربات مع غارات هنا وهناك، ومع إنزالات هنا وهناك؟ لا أدري. هل هو نوع من اجتياحٍ بريٍّ جزئيّ أم لا؟ لا أعرف. لكنّي أعرف شيئاً واحداً، هو أنّ الأمور ذاهبة إلى تصعيد أكبر فأكبر”.
وعندما سأله المحاور: هل مخاوف الشارع من وجود نيّة للتصعيد أو إمكان حصوله مبرَّرة؟ أجاب جعجع بإيجاز حاسم: “صحيح”.
ما دار مع المبعوثة الأميركية… وخلاصة الموقف الدولي
تطرّق المحاور إلى الزيارات الدولية إلى معراب، ومنها زيارة المبعوثة الأميركية قبل أسابيع، وسأل: هل حملت هذه الزيارة مقترحاً لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل أو الدخول في مرحلة تفاوض جديدة؟ وما الذي دار فعلياً في تلك اللقاءات؟
أجاب جعجع موضحاً خلفية الموقف الأميركي، قائلاً:”يمكنك أن لا تتعب نفسك وتسألني عمّا جرى في هذا اللقاء أو في غيره من اللقاءات. الموقف الأميركي، وهو موقف – شئنا أم أبينا – حاسم وحازم في هذه الأيام، كان واضحاً جداً على لسان من تحدّث باسمهم مراراً عديدة. خلاصة الموقف الأميركي هي: يا شباب، أنتم في لبنان، نحن معكم، وتعرفون كم نحبّ لبنان، ولكن يجب أن تصبح في لبنان دولة فعلية، وأن يُحصَر السلاح فيها، وأن يكون قرار السلم والحرب فيها. إذا لم تفعلوا ذلك، فستظلون أصدقاءنا، لكن (دبّروا حالكم أنتم). ونحن نعرف ما معنى تعبير (دبّروا حالكم)، أي: دبّروا أمركم أنتم وإسرائيل.
هذا موقف علني، وليس موقفاً يُقال في الغرف المغلقة، وبالتالي هذا موقف الوسطاء الدوليين. حتى الفرنسيون، مع كلّ محبتهم للبنان، ومع كلّ علاقاتهم بلبنان، ومع ميلهم الطبيعي دائماً إلى ترتيب الأمور وتبريدها، حتى الآن لا يتكلّمون بشيء لا عن الوجود الإسرائيلي في الجنوب ولا عن الاعتداءات الإسرائيلية، لأنّهم يعتبرون أنّه، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، كان هناك تعهّد من الطرف اللبناني – الذي كان ممثلاً حينها بالرئيس برّي و(حزب الله) – بأن تُحلّ كلّ التنظيمات العسكرية والأمنية غير الشرعية، ولم يحدث ذلك”.
وعن لقاء المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس تحديداً، أوضح جعجع: “في اجتماعنا، لم يُطرَح هذا الموضوع أمامي إطلاقاً. كلّ ما تَباحثنا فيه كان بخصوص لبنان والوضع الداخلي، وضرورة حلّ كلّ التنظيمات المسلّحة غير الشرعية، وضرورة جمع السلاح في يد الدولة اللبنانية، وتحدّثنا طويلاً عن موضوع الإصلاحات التي يجب على الدولة القيام بها، أمّا هذا الموضوع تحديداً فلم نتطرّق إليه”.
عن “الوشاية” في الخارج: “سذاجة كبيرة”
سأل المحاور عن حديث شائع في لبنان مفاده أنّ بعض الأطراف «تشتكي» الرئيس أو الدولة اللبنانية إلى الأميركيين، وتحمّلهم مسؤولية التقصير. فكيف يقرأ جعجع هذا الكلام؟
ردّ جعجع رافضاً هذا الطرح، وقال: “كنت أتمنى ألّا يصدر أيّ حديث من هذا القبيل عن أيّ مسؤول لبناني، وسأقول لك لماذا. هل من المعقول أن يكون الأميركيون جالسين هناك ينتظرون أن يمرّ أحد من لبنان ليقول لهم: هذا هكذا وهذا هكذا؟ هذه سذاجة كبيرة.
أعتقد أنّ الأميركيين يعرفون ما يحدث في لبنان أكثر مني أنا. مثلاً، أنا لم أكن أعرف أين كان السيد حسن نصرالله – رحمه الله – وهم بالتأكيد كانوا يعرفون أين هو موجود، وماذا يفعل هذا وماذا يفعل ذاك. وبالتالي، أعتقد أنّ هذه الأحاديث من قبيل تشتيت التركيز، أي نقل التركيز من مكان إلى مكان آخر.
كلّ العالم يعرف؛ الأميركيون، والدول العربية، ودول الخليج كلها، والدول الأوروبية؛ الجميع لديهم الرأي نفسه بما يحدث في لبنان. وبالتالي، كل ما يُقال اليوم، عندما تطّلع على الصحافة، خصوصاً صحافة (الممانعة)، تجد أنّ كلّ حديثهم عن (الوشايات) و(الوُشاة). هم دائماً في حاجة إلى عدوّ، في حاجة إلى متنفس، في حاجة إلى أحد يلقون عليه اللوم، وكأنّ لا أحد يعرف ماذا يحدث في لبنان، وكأنّه ليست هناك لجنة (ميكانيزم)، وكأنّه ليست هناك ضبّاط أميركيون في لبنان، يعرفون بالتأكيد أكثر مني، وأكثر منّا جميعاً.
لا أعرف مَن يقصدون بالوشاة، لكنّهم دائماً يختلقون خصوماً وأعداء وهميين ليخرجوا من الورطة التي هم فيها، وليلقوا بالمسؤولية على طرف آخر”.
حصر السلاح في يد الدولة: القرار سياسي لا عسكري
انتقل الحوار إلى ملفّ حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، وخطة الجيش اللبناني في هذا المجال، ودور وزراء «القوات» في الحكومة لجهة متابعة هذا الملفّ. وسأل المحاور: أين باتت هذه الخطة، ومن يتحمّل مسؤولية التعطيل؟
أجاب جعجع مؤكِّداً أنّ المشكلة سياسية لا عسكرية، فقال: “دعني أبدأ أولاً بالقول إنّه لا علاقة للجيش، أي الجيش اللبناني كجيش، بالتقدّم أو عدم التقدّم الحاصل. لا علاقة له بذلك؛ فكلّ الأمر في يد السلطة السياسية، ولنعُدْ بالأمور إلى نصابها الحقيقي.
ثانياً، دعني أقول إنّ رئيس الجمهورية الحالي والحكومة الحالية هما أول من تحدّث عن نزع السلاح من كلّ الميليشيات المسلّحة ووضعه ضمن الجيش، منذ عشرين عاماً على الأقل، وحتى الآن، بل منذ أربعين عاماً إلى اليوم. وقد كان ذلك واضحاً في البيان الوزاري للحكومة الحالية.
وصدر قرار عن مجلس الوزراء في الخامس والسابع من آب 2024 باعتبار كلّ التنظيمات العسكرية خارج الدولة غير شرعية، وبوجوب جمع السلاح داخل الدولة اللبنانية. أين المشكلة إذن؟ المشكلة أنّه، إلى جانب هذا القرار الجريء الذي اتّخذته الحكومة مجتمعة، باستثناء وزراء (حزب الله) و(حركة أمل)، لم يُقرَن القرار بالموقف السياسي المطلوب”.
ثمّ قدّم مثالاً عملياً على ذلك، مشيراً إلى الرسالة التي وجّهها «حزب الله» إلى الرؤساء الثلاثة، فقال: “سأعطيك مثالاً: أخيراً، وجّه (حزب الله) رسمياً رسالة إلى الرؤساء الثلاثة، جاء فيها ما معناه أنّه لا يعترف بقرار مجلس الوزراء الذي صدر في الخامس والسابع من آب 2024، وأنّه مستمرّ في (المقاومة)”.
وعندما ذكّره المحاور بأنّ “حزب الله” وصف قرار الحكومة بـ”الخطيئة”، تابع جعجع: “نعم، وصفه بالخطيئة، وإلى ما هنالك. مثلاً، ماذا كان ردّ رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو الحكومة على ذلك؟ لقد طالبنا في مجلس الوزراء بأن يكون للحكومة ردّ على هذا الكلام. فقال رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إنّه لا يجب أن يصدر أيّ ردّ، والأفضل ألّا ندخل في (مماحكات) وفي سجالات مع أحد. في حين أنّ هذا ليس سجالاً أبداً! من هنا تبدأ القصّة، لا من السؤال عمّا إذا كان الجيش قد صادَر عشرين صاروخاً أو خمسين صاروخاً. لا”.
“يجب البدء من فوق”… لا بمطاردة الصواريخ
سأل المحاور عن الموقف السياسي المطلوب برأي جعجع في مواجهة رفض «حزب الله» قرارات مجلس الوزراء، فأجاب رئيس «القوات» محدِّداً خطوات واضحة: “الموقف السياسي المطلوب هو أنّه، وبعدما أصدرت الحكومة قرارها في الخامس والسابع من آب الماضي، إذا وقف أي مسؤول من (حزب الله) ليقول: نحن لا نلتزم بهذا القرار، وهذا القرار خطيئة؛ يجب عندها على الوزراء المعنيين، سواء وزير الداخلية أو وزير الدفاع، أن يستدعوه ويقولوا له: كيف لا تلتزم؟ هذا قرار مجلس الوزراء، ماذا بك؟ هذه هي الشرعية، وهذه هي الدولة الموجودة، وليس على هواك نُطبّقه أو لا نطبّقه، ولا يحقّ لك أن تقول هذا الكلام.
فالقصّة تبدأ من الأعلى نزولاً، لا من الأسفل صعوداً. ليس المطلوب أن تذهب لتفتّش عن كلّ صاروخ لـ(حزب الله) وتصادره؛ فقد يبقى صاروخ ما تحت الأرض لمدة مئة عام، وهذا الصاروخ بحدّ ذاته لا يعني شيئاً، أمّا القرار السياسي من فوق فيعني الكثير.
وبالتالي، على السلطة السياسية في لبنان أن تبدأ من فوق، وأن تقول لجماعة (حزب الله): لا، لا، لا، لم نتّفق على هذا. نحن السلطة الشرعية، نحن نمثّل الدولة، نحن نمثّل أكثريّة الشعب اللبناني. وهذا هو الصحيح، فالحكومة الحالية نالت ثقة المجلس النيابي مرّتين، وفي كلّ مرة حازت 83 أو 84 أو 85 صوتاً، أي ما يفوق الثلثين في المجلس النيابي. إذا، هي السلطة الشرعية، ولا يجوز لأحد أن يقول: أنا أقبل بهذا ولا أقبل بذاك.
تخيّل أنّ الحكومة تصدر غداً قراراً بفرض ضرائب، فيخرج أحدهم ليقول: أنا لا أقبل بهذه الضرائب ولا أريد الالتزام بها! يمكنه إذا شاء أن يسلك أيّ طريق من طرق المراجعة القانونية، وهذا حقّه في الديمقراطية، لكن لا يمكنه أن يقول: أنا أطبّق أو لا أطبّق. تدفع الضريبة، ثم تعترض، أليس هذا هو المسار القانوني؟
هذا ما لم يحصل، وهو ما ينقصنا: الحزم والجدّية السياسية. أنا لا أعتبر المشكلة عند الجيش، بل أعتبر المشكلة في عدم وجود حزم ووضوح ومتابعة على المستوى السياسي بالدرجة الأولى. ممنوع، ممنوع على أيّ مسؤول من (حزب الله) أن يقول هذا أو ذاك من دون أن يُستدعيه فوراً رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة ليُقال له: لا يا صديقي، ليس هكذا إطلاقاً. لا يمكننا أن نُكمل بهذه الطريقة. نحن حكومة شرعية، وأنا رئيس جمهورية منتخب، انتُخبت بما يزيد عن 90 صوتاً في المجلس النيابي الذي يمثّل شرعاً كلّ الشعب اللبناني، وبالتالي لا يمكنك أن تتصرّف على هذا النحو.
هذا قرار اتّخذته حكومة شرعية، نالت ثقة المجلس النيابي، هذا المجلس المنتخب من قبل الشعب اللبناني، وبالتالي فإنّ الشعب اللبناني يريد هذا القرار، ولا يمكنك أن تقبل أو لا تقبل به. يجب أن نبدأ من هنا”.
نعيم قاسم والسلاح… “انقلاب على الدولة”
ذكّر المحاور بأنّ الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، كان قد استبق جلسة مجلس الوزراء، وأعلن في خطاب أنّ الحزب لن يسلّم السلاح، وأنّ هذا الموقف تكرّر مئات المرّات. فسأل: كيف يجب التعامل مع موقف بهذا الوضوح؟
أجاب جعجع بحزم: “مئات المرّات تكرّر هذا الموقف، وهنا يكمن الخطأ. لا يستطيع، وليس له الصلاحية، وليس له الحق، لا الأمين العام لـ(حزب الله) ولا رئيس حزب القوات اللبنانية ولا رئيس أيّ حزب ولا أيّ زعيم سياسي، أن يجرؤ على القول: أنا لا أريد أن أطبّق قرار مجلس الوزراء. هذا انقلاب على الدولة؛ هناك انقلاب فعلي على الدولة.
فهل تقول للجيش: اذهبْ وخذ البندقية من هنا والصاروخ من هناك؟ هذه تصبح تفاصيل غير مهمّة في البداية؛ قد تصبح مهمّة لاحقاً، لكن كبداية لا يجوز أن تترك أحداً ينقلب على الدولة. عندما يسمح الأمين العام لـ(حزب الله) لنفسه أن يقف ويقول: نحن نعتبر هذا القرار وكأنّه لم يكن؛ فكيف تعتبر القرار وكأنّه لم يكن؟ لا يمكنك أن تعتبره كذلك، وكأنّه ليست هناك دولة في لبنان، لأنّ معنى ما يقوله هو أنّه ليست هناك دولة في لبنان”.
“هذه ليست حرباً أهلية”… بل تطبيق قانون
سأل المحاور عن الخوف من أن يؤدّي الحزم في تطبيق قرار نزع السلاح إلى صدام داخلي قد يتطوّر إلى حرب أهلية، وهو مصطلح استُخدِم كثيراً في الأشهر الماضية. فرفض جعجع هذا التوصيف، قائلاً: “أنا لا أقبل هذا التوصيف إطلاقاً، إطلاقاً. الحرب الأهليّة هي عندما يصطدم فريقان أهليّان ببعضهما البعض؛ يعني إذا – لا سمح الله – حصل صدام بين حزب الكتائب والحزب التقدّمي الاشتراكي، فهذه حرب أهلية – لا سمح الله مئة مرّة – أو إذا حصل صدام بين حزبٍ ديموقراطي في طرابلس، افتراضاً، وبين جماعة مؤيدة للّواء أشرف ريفي هناك، فهذا صراع أهلي.
أمّا عندما تصدر السلطة السياسية الشرعية، أي أعلى سلطة سياسية في البلد، قراراً، فمن تلك اللحظة وما بعدها لا يمكنك أن تتحدّث عن حرب أهلية. مَن لا ينفّذ هذا القرار، أو مَن يقول إنّه لا يريد أن ينفّذه، يصبح خارجاً عن القانون، ويجب أن يُعامَل على هذا الأساس.
ألا تَرى كلّ يوم، في وسائل الإعلام، أخباراً عن صدامات بين الجيش وتجار المخدرات، في حيّ الشراونة في بعلبك، وفي اليمونة، وفي غيرها من المناطق في البقاع وجبل لبنان، وهنا وهناك؟ وفي بعض الأوقات يسقط شهداء للجيش، ويُقتَل بعض تجّار المخدّرات. إذا، من لا يريد تطبيق القانون يضع نفسه في موقع الخارج عن القانون”.
وعندما سأله المحاور إن كان الجيش اللبناني يجب أن يتعامل مع من يرفض تسليم السلاح بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع تجّار المخدرات، أجاب جعجع: “طبعاً، ولكن قبل أن نصل إلى الجيش اللبناني، على السلطة السياسية أن تتّخذ هذا الموقف، وأن تُبلغه. فالسلطة السياسية كلّ يوم هي و(حزب الله) في اجتماعات واتّصالات ولقاءات، وبعض أركان السلطة السياسية على تواصل يومي مع جماعة (حزب الله). عليها أن تقول لهم بدايةً؛ فـ(في البدء كان الكلمة)، وكلّ شيء يبدأ بالكلمة. يجب أن تُقال لهم هذه الكلمة الواضحة.
وبرأيي، في تقييمي الشخصي، لو أنّه منذ اللحظة الأولى قيل لهم بوضوح: يا شباب، أنتم مواطنون لبنانيون (على رأسنا وعيننا)، لكنّنا نحن السلطة الشرعية الآن، ونحن مؤتمنون، والشعب اللبناني كلّفنا، وهناك مسؤوليات علينا، وهناك مصير بلدٍ بكامله، وبالتالي لا يمكننا أن نتهاون، ويجب أن تُحلّ هذه المسألة، وعلى (حزب الله) أن يحلّ نفسه عسكرياً وأمنياً… لو قيل هذا الكلام منذ اللحظة الأولى، برأيي، لما حصل شيء يُذكر؛ ربما حصل بعض (النقّ)، تعرف ما معنى النقّ؟ بعض الاعتراضات من هنا وهناك، لكن مع الحزم والمثابرة، أعتقد أنّنا كنّا حللنا أكثرية المشكلة، إن لم نقل كلّها، من دون أن نضطرّ حتى إلى (ضربة كفّ) واحدة.
لكن عندما تُترك الأمور، يبدأ الانزلاق. خذ الخطاب السياسي لـ(حزب الله) في كانون الثاني الماضي، ثم خذه الآن، وقارنهما ببعضهما، تستطيع أن تلاحظ ما أحاول أن أشرحه”.
ما المقصود بنزع سلاح حزب الله؟
طلب المحاور توضيحاً إضافياً: هل المقصود بنزع السلاح هو السلاح الثقيل والهجومي، كالصواريخ والطائرات المسيّرة، أم أنّ المقصود أوسع من ذلك؟
أجاب جعجع محدِّداً جوهر المسألة: “قبل أيّ شيء، المقصود هو حلّ التنظيم الأمني والعسكري. هذا هو الأساس؛ أمّا الباقي فأصبح تفاصيل. الآن، إذا كان الشعب اللبناني بأكثريته يمتلك بنادق فردية، فلا بأس أن يحتفظ عناصر (حزب الله) – كمواطنين لبنانيين – ببنادقهم الفردية في منازلهم، شأنهم شأن المواطنين الآخرين، من دون أن يستخدموها في أيّ مكان من الأمكنة.
لكن الأهمّ هو حلّ التنظيم العسكري، وهنا تكمن المشكلة. فهذا التنظيم العسكري لديه قادة مناطق، وقادة مجموعات، وقادة ميدانيون وعسكريّون، ولديه سلاح إشارة، وسلاح مسيّرات، وغير ذلك الكثير… يجب حلّ هذا التنظيم العسكري، وتبعاً لذلك تبدأ تفاصيل جمع السلاح والتخلّص منه، وصولاً إلى أين؟ وصولاً إلى السلاح الفردي، لأنّ كثيرين من أبناء الشعب اللبناني لديهم سلاح فردي لا أكثر”.
“سلاح المقاومة” والاحتلال: “دعابة ومزحة”
طرح المحاور السؤال الذي يتكرّر في الشارع: كيف يمكن نزع «سلاح المقاومة» في ظلّ بقاء الاحتلال الإسرائيلي؟ ألا يُربَط التسليم بانسحاب إسرائيل؟
ردّ جعجع بقسوة على هذه النظرية، فقال: “هل يمكن أن تقول لي، منذ سنة حتى اليوم، بل قبل ذلك أيضاً، أين هو (سلاح المقاومة)؟ إلى متى سيبقى معلّقاً إلى (وقت الحزّة)؟ فهل هناك (وقت حشرة) أكثر من هذا الوقت؟ هذه، في الواقع، دعابة ومزحة في الوقت نفسه.
أولاً، إذا كان هناك احتلال، فلأنّ سلاح (حزب الله) هو الذي استجرّ هذا الاحتلال. الفترة الوحيدة في تاريخ لبنان التي لم يكن لدينا فيها مشكلة كبيرة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية هي بين أعوام 1949 و1969. متى بدأت مشكلاتنا، وبدأت إسرائيل تستطيع الدخول إلى لبنان؟ ابتداءً من أعوام 1969، عندما بدأت (المقاومة) على أساس فلسطيني، ثم استمررنا من هناك فصاعداً؛ من (مقاومة فلسطينية) إلى (مقاومة وطنية) إلى (مقاومة إسلامية)، إلى أن انتهى الأمر إلى أن أصبحت أرض لبنان مستباحة.
بصراحة، لأنّ هناك احتلالاً إسرائيلياً في الجنوب، يجب، وبسرعة، أن ننزع سلاح (حزب الله). قل لي مثلاً: بأيّ طريقة نُخرج الإسرائيليين من لبنان؟ إذا كانت لديك طريقة عسكرية تضمن توازن قوى معيّناً، فقل لي، لعلّنا نستطيع أن نستخدمها. لكن كما هو واضح، وكما أعرف، لا توجد اليوم طريقة لتحقيق توازن عسكري.
إذا لم يكن هناك حلّ عسكري بالتوازن، فلا حلّ إلا أن نستعين بأصدقائنا الدوليين والعرب كي نتمكّن من إخراج إسرائيل. ولدينا بين هؤلاء ثلاثة أصدقاء كبار: الولايات المتحدة من جهة، وأوروبا، ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. هؤلاء غير مستعدّين لمساعدتنا طالما هناك تنظيمات عسكرية غير شرعية خارج الدولة في لبنان.
هذا هو (السلاح) الذي يجب علينا استخدامه: السلاح الذي يمكن أن يفيدك فعلاً في إخراج إسرائيل من لبنان هو هذا السلاح، لكنّك تعطلّه عندما تتمسّك بـ(حزب الله) وبعض (الحيل) التي يمتلكها ليستعملها عندما تقول له إيران: استعملْها؛ لا لأسباب تتعلّق بالأمن القومي اللبناني، كما بيّنت جميع الأحداث الماضية”.
الانتخابات النيابية وقانون الاقتراع… والمغتربون
انتقل المحاور إلى ملفّ الانتخابات النيابية المقبلة، وسأل: لماذا يُقال إنّ جعجع يعارض إجراء الانتخابات وفق القانون الحالي؟ وهل يمكن أن يؤدّي مسار الخلاف إلى تأجيل الاستحقاق؟
فنقض جعجع هذه الفرضيّة، قائلاً: “العكس تماماً؛ نحن أكثر من يتمسّك بالقانون القائم، ولا نعارض إجراء الانتخابات على أساسه. لدينا فقط تعديل في مادّة واحدة منه، تتعلّق بطريقة اقتراع المغتربين.
المغتربون اللبنانيون هم أساس، أساس في اقتصاد لبنان، وأساس في وجود لبنان، وأساس في كلّ الحركة الثقافية والعلمية. سأعطيك مثالاً صغيراً: الدخل القومي اللبناني في السنة الماضية – مع اختلاف التقديرات – لنفترض أنّه كان في حدود 27 أو 28 مليار دولار، من هذا الرقم هناك، أقلّه، 4 أو 5 أو 6 مليارات دولار من المغتربين مباشرة”.
وعندما أشار المحاور إلى أنّ تحويلات المغتربين من أكبر مصادر الدخل للبنان، سأل: هل يجوز حرمانهم من حقّهم في الاقتراع في أماكن إقامتهم؟ فأجاب جعجع: “هل يجوز أن نَحرِمهم من حقّهم في الاقتراع حيث هم؟ أنا أعرف، عندما تكون هناك انتخابات مصرية، كيف تأتي صناديق الاقتراع إلى السفارة المصرية هنا في لبنان وغيرها، ويذهب المصريون ليُدلوا بأصواتهم. فلماذا لا يجوز أن يحدث الشيء نفسه في لبنان؟”.
وأوضح المحاور أنّ الخلاف لا يتعلّق بمبدأ التسجيل للمغتربين، بل ما إذا كانوا سينتخبون لـ6 مقاعد مخصّصة لهم، أم للنواب الـ128. ففصّل جعجع الخلاف وموقفه، قائلاً: “عظيم. هناك اختلاف؛ هم يريدون ستّة نواب فقط للمغتربين، ونحن نريد أن يصوّت المغتربون للنواب المئة والثمانية والعشرين. عندما يكون هناك خلاف بين الكتل السياسية، كيف يُحَلّ الخلاف؟ يُحَلّ عبر طرحه على المجلس النيابي.
الرئيس نبيه برّي لا يقبل بذلك، وهو من يُعطِّل طرح هذا الموضوع – هذه النقطة بالذات – على الهيئة العامة للمجلس النيابي. كلّ ما نطلبه نحن هو أن يُطرَح الموضوع على الهيئة العامة للمجلس النيابي، وقد نخسر في التصويت؛ أي قد نطرح التعديل الذي نريده أمام الهيئة العامة ونخسر، ونقبل حينها بذلك. لكن يجب أن تُطرَح المسألة على الهيئة العامة للمجلس النيابي، إلا أنّ الرئيس برّي يرفض ذلك.
هناك اقتراح قانون معجّل مكرّر، وفي المفهوم اللبناني وفي القانون اللبناني وفي العُرف اللبناني، هناك نوعان من اقتراحات القوانين: إمّا اقتراح قانون عادي، أو اقتراح قانون معجّل مكرّر. ما الفرق بينهما؟ اقتراح القانون العادي يعني أنّه يذهب أوّلاً إلى اللجنة المعنيّة: إذا كان له علاقة بالصحة يذهب إلى لجنة الصحة النيابية، وإذا كان له علاقة بالسياسة الخارجية يذهب إلى لجنة العلاقات الخارجية النيابية، إلى آخره. هذا هو القانون العادي. ومن هناك، وبعد التداول به، يصل لاحقاً إلى الهيئة العامة للتصويت عليه.
أمّا القانون المعجّل المكرّر، فهناك أمور طارئة من أجلها وُجد شيء اسمه (قانون معجّل مكرّر) ليُطرَح مباشرة على الهيئة العامة. هناك اليوم اقتراح قانون معجّل مكرّر وقّع عليه أكثر من نصف أعضاء الهيئة العامة؛ 67 نائباً وقّعوا عليه منذ أيّار الماضي، أي منذ ستّة أشهر، والرئيس برّي يرفض إدراجه على جدول أعمال الجلسات التشريعية. ليس بالضرورة على جدول أعمال الجلسة الأولى، أو الثانية، ولكن الثالثة والرابعة والخامسة أيضاً يرفض إدراجه، ويقول إنّه حوّله إلى لجنة فرعيّة، في حين أنّه لا يحقّ له ذلك؛ فالرئيس برّي ليس له حقّ أن يحوّل اقتراح قانون معجّل مكرّر إلى لجنة”.
سجال مع برّي… وتعطيل تشريعي
عندما سأله المحاور إذا كان هذا الملفّ هو سبب السجال القائم بينه وبين الرئيس نبيه برّي، أجاب جعجع: “طبعاً. لأنّ الرئيس برّي يخلط بين موقعه كرئيس لحركة (أمل) – حيث له رأي محدّد، وهذا حقّه – وبين إدارته للمجلس النيابي، حيث يجب أن يكون محقّاً في إدارته للمجلس. عندما يُرفَع إليه اقتراح قانون معجّل مكرّر، عليه أن يطرحه على الهيئة العامة.
يمكن للهيئة العامة أن تقرّر أن لا صفة عاجلة لهذا الاقتراح، وعندها يُرسَل إلى اللجان النيابية، وعندها (لا حول ولا قوّة إلا بالله)، لكن على الرئيس برّي أن يطرحه، وهو يرفض أن يطرحه.
إضافة إلى ذلك، منذ بضعة أيام، وصل إلى مجلس النواب مشروع قانون معجّل أيضاً من الحكومة، يتضمّن تعديلات على قانون الانتخابات كي تتمكّن الحكومة من إجراء الانتخابات، وأيضاً الرئيس برّي يُعطّل هذا المشروع، ولا يريد أن يحيله على الهيئة العامة، بل يريد أن يحيله على اللجان. الرئيس برّي يستعمل المجلس كما يشاء، خارجاً عن كلّ قانون، وخارجاً عن كلّ دستور، وخارجاً حتّى عن كلّ عُرف، وهذا أمر غير مقبول”.
وعن احتمال إلغاء الانتخابات أو تأجيلها والتمديد للمجلس الحالي، قال جعجع: “لا أعتقد ذلك، لأنّه في أسوأ الحالات ستُجرى الانتخابات وفق القانون النافذ. في أسوأ الحالات ماذا يعني هذا الأمر؟ يعني أنّه، بحسب القانون الحالي، سيُضطرّ المغتربون، إذا أرادوا المشاركة في العملية الانتخابية، أن يأتوا إلى لبنان ويقترعوا في لبنان. هذه هي أسوأ الحالات. أمّا في أحسن الحالات، فينزل (الوحي) من جديد على الرئيس برّي، فيعقد جلسة تشريعية، ويُطرَح مشروع القانون الذي تقدّمت به الحكومة، ويُطرَح اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من الأغلبيّة النيابية، وتفصل فيهما الهيئة العامة باتجاهٍ أو بآخر، وعندها تأخذ الانتخابات مجراها الطبيعي”.
الانتخابات في موعدها…
سأل المحاور عن تأثير أيّ عدوان جديد محتمل على لبنان على موعد الانتخابات، فأجاب جعجع: “برأيي، لن تتأثّر الانتخابات بذلك”.
وعندما استوضحه المحاور مؤكِّداً: “الانتخابات في موعدها مهما كانت الظروف؟”، قال جعجع موضحاً: “ليس بمعنى أنّه، لا سمح الله، إذا كانت هناك حرب شاملة في البلد، وفي كلّ منطقة من البلد، والدنيا (خربانة) بالكامل، عندها يصبح البحث شيئاً آخر. لكن دعني أقول كما أرى: الانتخابات يجب أن تُجرى في موعدها، ولا أرى ظروفاً قاهرة تمنع ذلك.
وهنا أودّ أن أقول شيئاً صغيراً، مع الأسف الشديد على لفت النظر إليه: إسرائيل كانت تحارب في وسط حرب غزة، وكان لديهم انتخابات محلية؛ أخذوا صناديق الاقتراع إلى العسكريين الإسرائيليين الموجودين في غزة لكي ينتخبوا وهم في وسط الحرب. يجب أن نحترم الاستحقاقات الدستورية والمواعيد الدستورية، لا أن نعبث بها”.
مؤتمر شرم الشيخ وغزة: “تاريخي… لكن العبرة في التنفيذ”
انتقل الحوار إلى الساحة الفلسطينية، فسأل المحاور: كيف تابع جعجع مؤتمر شرم الشيخ لإنهاء الوضع في غزة؟ أجاب جعجع واصفاً المؤتمر بأنّه مفصليّ، مع التحذير من تعقيدات التنفيذ: “برأيي، هو مؤتمر تاريخي. هناك مسألة واحدة فقط أتخوّف منها: المؤتمر تاريخي، تاريخي فعلاً، مؤتمر شرم الشيخ، لكن المسألة الوحيدة التي أخشى منها أنّ هناك كثيراً من التفاصيل التي تحتاج إلى متابعة.
وبرأيي، الإخوة المصريون عليهم مسؤولية كبيرة في المتابعة، لأنّ الأميركيين لديهم الرغبة – وأكبر دليل على ذلك هذا المشروع نفسه – لكنهم بعيدون، أي لن يجلسوا هم لمتابعة التفاصيل اليومية. والإسرائيليون، بما أنّ لديهم مصلحة ولكن مختلفة، سيتابعون التفاصيل اليومية، والسلطة الفلسطينية – للأسف – لم يُعطوها موقعها في هذه اللعبة كي تتابع، وإلا لكانت قادرة على متابعة التفاصيل اليومية.
وبالتالي، تقع الآن المسؤولية على مصر، والأردن، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وتركيا ربما أيضاً، لأنّها ساهمت في الوصول إلى شرم الشيخ، لكي يتابعوا التفاصيل اليومية حتى تصل هذه المسيرة إلى نهايتها. نحن الآن في الخطوة الأولى من مسيرة، لا ندري أطولها ألف ميل أم عشرة آلاف ميل أم عشرون ألف ميل أم مئة ألف ميل؛ بهذا القدر من الطول. فالمؤتمر تاريخي جداً، لكن تبقى العبرة الأساسية في التنفيذ وفي طريقة التعامل مع التفاصيل”.
الدور المصري في لبنان: صديق وداعم دائماً
وعن تقييمه لدور مصر في لبنان خلال الفترة الماضية، قال جعجع: “الدور المصري في لبنان، في كلّ الأوقات، هو في أسوأ الأحوال دور صديق، وفي أفضلها دور صديق ومعين ومساعد، إلى غير ذلك، بحسب ظروف مصر أيضاً. فالدور المصري، كما دائماً، موجود في لبنان انطلاقاً من علاقته بجميع الفرقاء اللبنانيين، وانطلاقاً من نظرته الموضوعية للوضع في لبنان، من دون أن يتّخذ موقفاً إلا في القضايا المتعلّقة بوجود دولة لبنانية، وبالأخصّ دولة لبنانية فاعلة. ومن جديد، شكراً لمصر، وإذا شاء الله، ستستمرّ هذه الصداقة والتعاون بين لبنان ومصر إلى الأبد”.
رسائل إلى الشارع اللبناني والعربي
في ختام اللقاء، طلب المحاور من جعجع توجيه رسالة إلى الشارع اللبناني وإلى الشارع العربي. فكانت الرسالة الأولى إلى اللبنانيين، حيث قال: “أولاً، للشارع اللبناني: صحيح أنّ هناك تأخيراً في تحقيق (الحلم اللبناني) الذي بدأ بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وحكومة جديدة، وصحيح أنّ هناك تأخيراً في ترجمة هذا الحلم، لكنّي أودّ أن أؤكّد للناس أنّ هذا الحلم ما زال موجوداً، وسيُترجَم ولو تأخّر قليلاً. لدينا قول باللبنانية يقول: (لا تقل طوّل هالليل، قول بوكرا جاي نهار). إذن، نحن ماضون في الطريق”.
ثمّ توجّه إلى الشارع العربي، داعياً إلى مزيد من الالتفاف حول المواقف العربية المشتركة، وخاصة الدور السعودي، فقال: “أمّا بما يتعلّق بالشارع العربي، فبرأيي أنّ الشارع العربي، أكثر فأكثر، يجب أن يلتفّ حول بعضه، وحول حكوماته، وبالأخصّ أنّ المملكة العربية السعودية تلعب دوراً بارزاً في هذه الأيام، بدليل ما جرى بالأمس في الولايات المتحدة، شئنا أم أبينا. هذا واقع؛ لم نرَ مثله على المستوى العربي في واشنطن. وشئنا أم أبينا، تبقى واشنطن عاصمة القرار الدولي في هذه المرحلة كلّها، وبالتالي من الضروري جدّاً أن يكون للعرب موقع متقدّم هناك. الآن بدأنا نرى موقعاً متقدّماً في عاصمة القرار الدولي، ومن المهمّ جدّاً أن نتعاون جميعاً لتوسيع هذا التأثير العربي على واشنطن، كي نتمكّن من تحقيق كلّ أحلامنا التي نُحاول منذ خمسين أو مئة سنة تحقيقها، ولم ننجح حتى الآن في تحقيقها”.