رواية مصرية بنكهة لبنانية(كريم) يتحدّى الإعاقة

(كريم في عالم العجائب) رواية جديدة للكاتب اللبناني د. طارق البكري، نشرتها (دار الأرجوحة) المصرية، بنحو 170صفحة، لتندرج ضمن أدب (الفانتازيا) الموجه للفتيان، غير أنَّها تتجاوز هذا الإطار لتصبح نصاً رمزياً عن الإرادة والتحرر الداخلي.. في رواية واقعية ممزوجة بالخيال الحالم.
بطل الرواية فتى مصري يعاني من إعاقة جسدية، لكنَّه يمتلك خيالاً خصباً وروحاً وثَّابة جعلا من الكرسي المتحرك بوابة نحو عوالم أخرى..
ومن الصفحات الأولى يكتشف القارئ أنَّ النص لا يسعى إلى استدرار العطف، بل إلى إعلاء شأن التحدي والإبداع كقوة خلاص.
ينتقل كريم من واقعه المحدود إلى عالم عجائبي من الحلوى والمخلوقات الغريبة، لكنه في الحقيقة يخوض رحلة داخل ذاته.. فـ(عالم العجائب) ليس سوى صورة رمزية للعقل المتحرر من القيود المادية.
في هذا العالم، تتحول الإعاقة إلى قدرة جديدة على التحليق في عالم الأحلام وتجاوز الخوف من المجهول.. فكل مشهد في الرواية يحمل بعداً مزدوجاً: مغامرة طفولية في ظاهرها، وتجربة وجودية عميقة في باطنها.
أسلوب الكاتب يتميز بلغته السلسة المليئة بالإيحاءات البصرية والحسية، فهو يرسم بالكلمات لوحات نابضة بالألوان والروائح، كما يستخدم الحوار لتفكيك المفاهيم السائدة عن القوة والضعف..
ومن خلال شخصيات مثل (زيتون) الفيلسوف و(زيتونة) الجنية المرحة، يقدم النص فلسفة بسيطة لكنها عميقة: الإنسان لا يُعرَّف بنقصه بل بقدرته على الحلم.
في البنية السردية، تتقاطع الواقعية الرمزية مع عناصر الحكاية الشعبية والأسطورة الحديثة.. الباب العنيد، الدوامة، ومدينة الملاعق الطائرة ليست مجرد مشاهد خيالية، بل استعارات عن مراحل النضج واكتشاف الذات..
ويمكن القول إن الرواية توظف (الفانتازيا) بوصفها أداة نقد اجتماعي وثقافي، إذ تفضح نظرة المجتمع إلى ذوي الإعاقة وتعيد تعريف البطولة من منظور إنساني شامل..
بينما يدع ختام الرواية الباب موارباً بين الحلم واليقظة، ليؤكد أن (العجائب) ليست في العالم الخارجي بل في قدرة الإنسان على خلقها داخله..
وهنا تكمن قوة العمل: في جمعه بين المتعة البصرية والرسالة الوجدانية، وبين الطرافة والمغزى الفلسفي.. وهي في الواقع تحتفي بالخيال بوصفه فعل مقاومة، وتمنح القارئ درساً في الإيمان بالذات قبل أي شيء آخر.
ويتصدر الرواية غلاف جذاب وذكي في آن واحد، يعبّر بصرياً عن روح النص ومغزاه الإنساني، معتمداً على لوحة فنية مفعمة بالحركة والضوء، بريشة الفنانة ميادة مسعد، التي استطاعت أن تمزج الواقع بالخيال كما هي الرواية تماماً.
الصورة المركزية للبطل كريم على كرسيه المتحرك تحمل شعلةً مضيئة تمثل رمزاً للمعرفة والإرادة في مواجهة كائنات خيالية متنوعة (جنية، تمساح، أسد، ظلّ غامض)، ما يترجم بصرياً فكرة الصراع بين الخوف والأمل، وبين الإعاقة والتحرر.
كما أن هناك بعداً رمزياً يتمثل بالكرسي المتحرك الذي لا يُعرض كقيد بل كوسيلة عبور نحو المغامرة، مما يتسق مع رسالة الرواية حول أن الإعاقة لا تعوق الحياة..
أما الشعلة الصغيرة التي يرفعها كريم فتمثل نور الإرادة أمام عتمة الواقع.. والجنية الطائرة فوقه تجسيد للأمل والخيال، بينما وجود الأسد والتمساح والظل يوحي بعوالم مختلفة من التحدي والمواجهة الداخلية.
فيما توزع الضوء الدافئ – البرتقالي والذهبي – في مواجهة ظلال باردة زرقاء وخضراء في الخلفية.. ما أحدث تبايناً متماسكاً رمز إلى التحول من العجز إلى الانطلاق، ومن الجمود إلى الحركة..
وبذلك حقق الغلاف توازناً بصرياً جاذباً للقراء اليافعين والشباب وكل قارئ للكتاب.. دون أن يفقد عمقه الرمزي.
الرواية بكل تفاصيلها تحتاج لأكثر من قراءة..
وما هذه سوى قراءة “أولى” لنص عميق في دلالاته..
نص يعرف كيف يسلب خيال القارئ “من الجلدة إلى الجلدة”.