معركة الإتّصالات التي يقودها شارل الحاج ليست ملفاً إدارياً عابراً… إنها اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة هيبتها..

وزير الاتصالات يفتح معركة الاتصالات: الإصلاح في وجه المحسوبيات

منذ سنوات طويلة، تحوّل قطاع الاتصالات في لبنان إلى أحد أبرز عناوين الهدر والفساد، بدل أن يكون رافعة للاقتصاد الوطني ومورداً أساسياً للخزينة. شركات تشغيل الهاتف الخلوي، “ألفا” و”تاتش”، لم تكن سوى مزارع للمحسوبيات وتقاسم المغانم بين القوى السياسية والطائفية، حيث باتت المناصب العليا فيها تُدار بالولاء لا بالكفاءة، والرواتب الخيالية تُوزّع كأنها من “مال سايب”، في بلد مفلس ومديون.
في “تاتش”، يتقاضى المدير العام سالم عيتاني نحو 21,000 دولار شهرياً، ورولا أبو ضاهر المبلغ نفسه، بينما يحصل علي ياسين على 17,000 دولار.
في “ألفا”، يتقاضى المدير العام جاد ناصيف راتباً أساسياً يبلغ 24,000 دولار، فيما ينال رفيق حداد 24,000 دولار وعماد حامد 22,000 دولار.
كما أنهم والى جانب آخرين مدراء كبار يعيشون على إيقاع 18 شهراً من المعاشات في السنة، فيما الموظف العادي بالكاد يلامس راتبه 500 دولار إن كان محظوظاً، والمواطن يدفع فاتورة اتصالات مرتفعة نسبيًا مقابل خدمة سيئة.

حين دخل الوزير شارل الحاج إلى وزارة الاتّصالات، لم يتردّد في فتح الملفات المسكوت عنها. لكنه اصطدم سريعاً بالمعادلة اللبنانية القديمة: الموظف الفاسد تحميه طائفته، والمسؤول المُقصّر تُغطّى تجاوزاته بذريعة الانتماء الديني. وقد حاول أحد المدراء بالفعل استنفار “غيرة” طائفته لعرقلة قرارات الوزير، في محاولة لتحويل أي إصلاح إلى مادة طائفية.
الحاج رفض أن يقع في الفخ. بالنسبة له، المعركة ليست طائفية ولا شخصية، بل هي معركة من أجل المال العام، يجريها تحت ضوء الشمس.
أولى الخطوات جاءت جريئة: خفض رواتب المدراء من معدل 20 ألف دولار إلى نحو 10 آلاف دولار، وهو قرار لم يجرؤ أحد من أسلافه على اتخاذه. هذه الخطوة وحدها كفيلة بكشف الهوّة الفاضحة بين “الإدارة المترفة” و”البلد المنهار”.
غير أنّ إصلاحات الحاج لم تقتصر على مواجهة المدراء الكبار، بل واجه أيضًا معركة جانبية مع نقابة موظفي الخليوي. فالنقابة، عن قصد أو عن سوء تقدير، دخلت في مواجهة مع الوزير على خلفية قراراته، معتبرة أنها قد تمسّ برواتب الموظفين. في الواقع، ما كان يقوم به الحاج لم يكن موجهًا ضدهم، بل كان يستهدف ترتيب معاشات المدراء الكبار حصرًا، ووضع حد للامتيازات غير المبرّرة التي تُثقل كاهل الدولة. المفارقة أن الإصلاحات التي اعتبرتها النقابة تهديدًا، كانت في جوهرها لصالح الموظفين العاديين ولصالح استقرار القطاع على المدى الطويل.

لا يكتفي الوزير الحاج بالمعالجات الموضعية. فهو يعمل على تنفيذ خطة استراتيجية شاملة، عنوانها الأساسي تطبيق القانون ٤٣١ عبر إعادة تفعيل الهيئة المنظّمة للاتّصالات وإنشاء شركة “ليبان تيليكوم” كإطار وطني حديث لتطوير شبكة الاتّصالات والإنترنت، بما يواكب العصر ويوفّر خدمة عادلة وبأسعار مقبولة. إدراكه أن “الدولة لا تُبنى بالترقيع بل بالخطط” جعله يربط المعركة الآنية بخطة طويلة المدى.

معركة الاتّصالات التي يقودها شارل الحاج ليست ملفاً إدارياً عابراً. إنها اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة هيبتها، وفرصة نادرة لكسر حلقة الفساد المحمي طائفياً. فإذا نجح الوزير في تثبيت إصلاحاته وإسقاط المحسوبيات، قد تفتح وزارته نافذة أمل نحو إصلاح أوسع في الإدارة اللبنانية. أما إذا انتصرت “المغارة” على مشروعه، فسيبقى لبنان رهينة الفساد والطوائف، وسيظل المواطن يدفع الثمن من جيبه ومن مستقبل أولاده.