بيروت ليست حزينة على رحيل زياد فقط، بيروت حزينة لأنها ترى السيدة التي شكلت وجدانها الثقافي أمام إختبار الحياة الأصعب: فقدان الإبن.
في صمت مقدّس كأنه صلاة بلا كلمات، وقفت السيدة فيروز على عتبة الألم وتراب زياد، فقدته وليس لسيدة الصوت سواه، فارقها الإبن المشاكس الذي لا يهادن والذي لم يكن يومًا ظلّها بل مرآتها الحادة بكل ما تعنيه المرايا من صدق وجروح.

رحل زياد وبقيت فيروز الأم الساكنة الهادئة تلملم جراحها بصبر ورجاء، في لحظة الوداع إختارت السيدة الصمت، لا نحيب ولا كلمات لكننا نسمع وجعها فينا، ونشعر بها رغم الغياب.
هذا الصمت ليس عزوفًا عن الألم بل هو الألم ذاته، عار جاف وحارق لا يحتاج الى صوت ليفهم.
في تلك اللحظة، لم تعد فيروز التي نعرفها، أصبحت فقط أمًا وقفت على أبواب السماء من دون بكاء لأنها أدركت أن الله وحده يسمع صوت الأمهات.
اليوم إنكسر شيء كبير في الفن في الروح في الأمومة في الذاكرة لأن فيروز فقدت زيادها الذي كان يقول ما لم تستطع هي أن تنطقه.
ليست فيروز إمرأة عادية لتعيش حزنًا عاديًا، لقد عرفت الموت من قبل، غياب الأخ الزوج رفاق الدرب الاوطان، لكنها لم تعرف حزنًا كالذي عرفته وهي في جنازة إبنها المتمرد الذي أحبها بطريقته، ودّعته بنظرة وربما دعاء لم يُسمع لأن الأم حين يكسرها الغياب لا تعود تعرف كيف تتكلم، كل ما نعرفه عنها الآن أنها حزينة وهذا يكفي.
ما أصعب أن يرحل الإبن وتبقى الأم وما أصعب أن يكون الإبن هو زياد وأن تكون الأم هي فيروز.

سلام عليك يا فيروز، سلام لقلبك المكسور، سلام على دمعتك التي لم تنزل وصوتك الذي إختنق دون أن نسمعه.
لا عزاء لنا سوى حبنا الصادق لك ولعائلتك، يا من قدّمت الكثير الكثير لوطنك.




