الروح يعلّم… سلامي أعطيكم

أحد مبارك
الإنجيل بحسب القديس يوحنا
يو ١٤ / ٢١ – ٢٧
الرّوح يعلّم
قالَ الرَبُّ يَسوعُ لِتلاميذِهِ: «مَنْ كَانَتْ لَدَيْهِ وَصَايَاي ويَحْفَظُهَا، هُوَ الَّذي يُحِبُّنِي. ومَنْ يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وأَنَا أُحِبُّهُ وأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي».
قَالَ لَهُ يَهُوذَا، لا ذَاكَ الإِسْخَريُوطِيّ: «يَا رَبّ، مَاذَا جَرَى حَتَّى تُظْهِرَ ذَاتَك لَنَا، لا لِلعَالَم؟».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: «مَنْ يُحِبُّنِي يَحْفَظُ كَلِمَتِي، وأَبِي يُحِبُّهُ وإِلَيْهِ نَأْتِي، وعِنْدَهُ نَجْعَلُ لَنَا مَنْزِلاً.
مَنْ لا يُحِبُّنِي لا يَحْفَظُ كَلِمَتِي. والكَلِمَةُ الَّتِي تَسْمَعُونَهَا لَيْسَتْ كَلِمَتِي، بَلْ كَلِمَةُ الآبِ الَّذي أَرْسَلَنِي.
كَلَّمْتُكُم بِهذَا، وأَنَا مُقِيمٌ عِنْدَكُم.
لكِنَّ البَرَقْلِيط، الرُّوحَ القُدُس، الَّذي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِٱسْمِي، هُوَ يُعَلِّمُكُم كُلَّ شَيء، ويُذَكِّرُكُم بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُم.
أَلسَّلامَ أَسْتَودِعُكُم، سَلامِي أُعْطِيكُم. لا كَمَا يُعْطِيهِ العَالَمُ أَنَا أُعْطِيكُم. لا يَضْطَرِبْ قَلْبُكُم ولا يَخَفْ!

يارب، إنّك تبدو، زُهاء ساعات قبل آلامك، حُرّاً للغاية، وبحالة سلام داخلي كلّي، وأنتَ تتحضّر لمغادرة تلاميذك، الذين شاركوك أوقاتاً مميزةً، خلال سنوات حياتك العلنيّة الثلاث، فإنّك تدعوهم ألا يستسلموا للحزن واليأس، بل أن يُثابروا على ثقتهم بك، هذا، بالرّغم من المظاهر التي يمكنهم أن يُفَسّروها كفشل كُلّي لرسالتك. أنت تُسَكِّنُ رَوعَهم وَتُضاعف الوعود.
“إذا أحبّني أحد حفظ كلامي، فأحَبَّه أبي، ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مقاما”، أن نُحبك إذاً، هو أن نصغي إليك ونتقبّل كلامك. وحين نتقبّل كلامك، نتقبّل الآب، لأنّك أنت والآب واحد. وهكذا، فكلمتك هي حضوركما أنتَ والآب حضور إلهي في عمق كياني . فَأُمسي معبدكُما وَسُكناكما . هذا أَوَّلُ ما وَعَدتَنا به .
عوضًا عن انسكاب الحزن الذي يلازم كل فراق، ولا سيّما عندما يتعلّق الأمر بالموت، فإنّكَ تُقدِّمُ ذهابك للتّلاميذ، على أنّه ضروري لعودتك، ومنبع كل سعادة. وبالفعل، فإنَّ موتك الذي ارتضيته بمشيئتك هو الشرط لتبريرنا. ما معنى كلمة “تبرير”؟ تعني أنّه بفضلك، لا يُحكم علينا بسبب الخطيئة الأصلية، التي وَرِثناها من آدم، ولا بسبب خطايانا الخاصّة. لقد غسلت آثامنا ، طهّرتها ، شَفَيْتَها وصالحتها مع الله باستحقاقات آلامك. بقيامتك، أصْبَحْنا أبناء الآب الواحد بموهبة نعمتك
الإلهية. هذه النعمة السامية تحملنا على الهتاف ليلة الفصح: “ما أسعدَها زَلَّةً استَحَقَّتْ لنا هكذا مُخلّص ! (Felix culpa).
إنّها أسرار حميمةٌ وفائقة تبوح بها لتلاميذك. تتجاوز هذه الإعلانات إمكانيّة إدراكهم. سيحتاج كل ما قلتَه إلى معرفة جديدة، وستكون إحدى مَهَمَّاتِ “البارقليط” الذي سيأتي باسمك من لدن الآب. تدل هذه الكلمة “البارقليط” على شخص متفانٍ مؤيّد، يملك القدرة والذكاء ليكون فعالاً، مُعَزِّيًا، مُدَافِعًا ومُرشدًا على السواء. إنَّ البارقليط الذي تُعلن عنه هو الروح القدس، الذي سَيُمسي نوعاً ما، العالم في شرح كلماتك، من سيتيح لنا فهمها وتأويلها بطريقة حميمة وروحية، هو الذي سيؤازر الكنيسة باستمرار، ويُلهمها لمواجهة مشاكل الناس الدائمة التّجدّد.
في نهاية هذا اللّقاء تودِّع تلاميذك وداعًا إنسانيّاً، تُحمِّله بُعداً يفوق القدرة البشرية. وهكذا، فالسّلام الذي تودعهم إياه هو السلام الذي اعتدنا أن نتمنّاه في الشرق، وحتى أيامنا، عندما نلتقي شخصاً ما : “السلام عليكم”.
يمثّل هذا السلام لإنسان التوراة، مُجْمَلَ أُمنيات الخير والهناء والأمان في وَفْرة الخيرات. لكنّك تلفظ هذه العبارة بحنان لا يُقدَّر ، تُعبّر عن أكثر من سلام قلب لا يُحَدِّ، وأكثر من صفاء الذّهن، وَمِن سُكون الرّوح والكيان، إنّها تعبير عن الهبة السخيّة لذاتك، عن فرح صداقة لن يعتريها خطر في ما بعد. هذا السلام اختبره تلاميذك بمشاركتهم حياتك، خلال ثلاث سنوات، ولا يُمكن أن ينتزع ذهابك هذا السلام، بل يجعله أكثر عُمقاً ورصانة، وتضيف مُحَدِّدًا: “كالسلام الذي أنعم به أنا” وعليه، فالسلام الذي تمنحه هو سلامك. لا يخضع للكوارث، ولا يعبأ بالعقبات، يتصدّى للاضطّهادات والحروب. ليس مُجرّد عبارة مُجامَلة أو أمنية. سلامك هو الذي يَسْكُنُ قلوب قدّيسيك. كانت القدّيسة تريز دافيلا تقول :
“لا يُقلقك أمر … من يرعاه الله لا ينقُصُهُ شَيء: الله وحده وحَسْبُنا . “
لِنُصَلِّ:
يا رب، دعنا نَرْتَوِ من كلماتِ إنجيلك كي تحوّلنا، مهما كانت الصّعوبات التي نجتازها، إنّ ما نبتَغيه هو أن تجذبنا إليك، كي نشارك في كمال المحبّة. فَلْيَدْمَعْنا روحك بهذا السلام الشامل والمطلق الآتي منك، وهو كمالُ الله ، كمالُ الحقِّ والحرية.
تأمّلات روحيّة من كتاب” الإنجيل في صلاة” للأب منصور لبكي.