من المحامي جورج ميشال أبو خليل
إلى روح صديق حنّا صفير
(إسمٌ على مسمّى)
تسعٌ وأربعون سنة…
إنّها عمرُ معرفتِنا بهذا الإنسان الّذي ما تبدّلَت لهجةُ ترحيبِهِ يومًا؛ فما زالت تلك ال” أهلان “، بصيغتها المميّزة، ترنُّ في أُذنيَّ، كلّما مرّ ببالي. ولا أدري لماذا حافظتُ على مناداته باسمه مجرّدًا، ربَّما لأنّه كان صديقَ كلِّ الأعمار.
لا أذكرُ أنَّه تقاعسَ عن تلبيةِ نداء، كنتُ أراهُ في مختلفِ النشاطات، يخدمُ ويساعد كأنّ الأمرَ خاصٌّ به، فاندفاعُه إلى الخدمة كان مُلفتًا. ولا حاجةَ لأن تسألَ أين هو، فصوتُهُ كان يطغى حيثُ يكون.
ورُبَّ سائلٍ ما الرّابطُ بينَكَ وبينَ هذا الإنسان؟ بكلّ بساطة أقول:
منذُ أوائلِ الخمسينات، ونحنُ نتردَّدُ إلى منطقةِ كسروان مصطافين، وقد نسَجنا مع أهلِها علاقاتِ ودٍّ نتشاطرُ وإيّاهم الأفراح والأتراح، من فيطرون إلى سهيلة، حيثُ الأناسُ الطيّبون، الّذين عشنا معهم كأهلٍ، وليس كجيران؛ وعندما قرَّ رايُ العائلة، في مطلعِ الثمانينات، على التملُّكِ في المنطقةِ، وتحديدًا بين سهيلة وجعيتا؛ وغبَّ تعثُّرِ ما يلائمُ في سهيلة، تجنّدَ ” صديق “، للبحثِ عن قطعةِ أرضٍ في جعيتا؛ وما هي إلاّ أيّام، حتّى طرقَ باب بيتنا ذات ليلة، وقد سبق صوتُه قرعَ الباب، وإذا به يُعلمُنا، بلهفةٍ أنّه وجدَ لنا ضالّتنا، وهي قطعةُ أرضٍ قبالةَ سيّدةِ النّجاة، في جعيتا، تعودُ لنسيبِهِ يعقوب صفير؛ وبعدَ دراسةٍ ومشاورات، تمَّ شراءُ الأرض؛ والحقُّ يُقال إنّنا لم نطّلع على أيّ
مستند رسمي بخصوصها، فالثقةُ ” بصديق” كانت في محلّها، حينَ كان الرّجالُ مربوطين بكلامِهم. وهكذا غدا هذا الإنسان الرّابط بيننا وبين بلدة جعيتا، يتردَّدُ إلينا في كلّ سانحة، عارضًا أيَّ خدمة، فخورًا بأنّه وفى بوعده بإيجادِ أرضٍ لنا على كتفِ المغارةِ الّتي حفرها الباري بإزميلِ إبداعه.
واليوم، وأنا أنظرُ إلى نعشِه محمولاً على الأكتاف، إلى حيثُ يوارى الثّرى، قفزَتْ صورتُهُ إلى بالي حين كان يشاركُ في حملِ نعوشِ مَن سبقوه، فطالَت خدمتُه الأحياء والأموات، كما صورتُه وهو يحمل الصينيّة يدورُ بها بين المؤمنين في رحاب الكنيسة، لجمعِ صدقةٍ تكونُ فلسَ الأرملة في خدمةِ النّفوس.
أُرقُدْ بسلام أيُّها الصديق، يا صاحبَ اسمٍ على مسمّى، وزادُك في رحلةِ العبور وداعةٌ وطيبةٌ وعفويّةٌ وخدمةٌ ومحبّة، كفيلةٌ كلّها بأن تحجزَ لك مكانًا في عالمِ البقاء، بعدَ أن جاهدتَ الجهادَ الحسَن في دنيا الشّقاء.



