جوزف القصيفي
يبدو أن نظاما عالميا جديدا هو في طور النشؤ مع التحولات البادية في السياسة الاميركية من إيران إلى اليمن، مرورا بالعراق وسوريا وصولا الى فلسطين المحتلة. وفي المعلومات أن هناك تقدما في المفاوضات الاميركية – الإيرانية في شأن الملف النووي،وتفاهمات مع الحوثيين في اليمن واستثناء السفن والبوارج الاميركية التجارية والحربية من الاستهداف من دون أن تشمل هذه التفاهمات إسرائيل التي لن تكون في منجى من صواريخ ” أنصار الله” البالستية. أما في سوريا،فان التقارير الدبلوماسية تشير إلى أن أحمد الشرع سلم كل أوراقه إلى الإدارة الاميركية التي تواكب خطواته وترعاها، وهو يرجع إليها في كل شاردة وواردة، حتى أن الدول الراغبة في تقديم مساعدات مادية أو عينية لأي قطاع من القطاعات لا بد من استئذان واشنطن والحصول منها على الضؤ الأخضر.وفي العراق ” فرملت ” التنظيمات المنضوية في الحشد الشعبي حركتها من دون أن تتخلى عن جاهزيتها.وفي لبنان بات واضحا أن الأمر ل” اميركا” في العديد من الملفات الأساسية سواء في المجالين العسكري والامني،أو في المجالات المالية والاقتصادية، وملفي إعادة ألاعمار وترسيم الحدود. وفي ما يتصل بالحرب على غزة،فان إدارة الرئيس ترامب تستعجل الوصول إلى حل ينهي الاعتداء الصهيوني على القطاع والاتفاق على ترتيبات لإدارة جديدة فيه تناط بها إعادة إعماره من دون أن يكون ل” حماس” اي دور، مقابل وقف عمليات اغتيال قادتها وكوادرها وملاحقتهم. هذا الواقع وضع إسرائيل في موقف حرج، لأن هذا التحول الأميركي لن يجد تربة خصبة، ولا طريقا سالكا إذا لم تتخل تل أبيب عن تهديداتها بقصف المفاعل النووي في ايران، ووقف حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وسياسة القضم الجغرافي في جنوب سوريا، ووقف الاعتداءات المتواصلة على جنوب لبنان والبقاع الغرلي، وهي قد امتدت أحيانا لتبلغ الضاحية الجنوبية من العاصمة. ولا يبدو بنيامين نتنياهو مرتاحا لتحرك الرئيس دونالد ترامب ولا نياته، خصوصا زيارته المرتقبة إلى الشرق الاوسط،وينظر إليها بارتياب لأن الرئيس الأميركي لن يجاري مخططاته ” على العمياني”، وهو يريد الموازنة بين التزام واشنطن التاريخي والاستراتيجي بدولة إسرائيل وهواجس الدول المحيطة بها،خصوصا أن المعلومات تشير إلى أن طموحات ترامب في حاجة إلى تمويل ضخم ستوفره دول عربية ترى في المظلة الأميركي وقاية لها من اي صراع إقليمي كبير بين إيران وإسرائيل،فتقع بين ” المطرقة والسندان”. لذلك فان الولايات المتحدة الاميركية لن تجعل في هذه المرحلة على الاقل من موضوع ” التطبيع” أولوية وهي رأت أن الشرع تسرع في تصريحه الذي اعرب فيه عن استعداده للسير بهذا الخيار، وفي لبنان هناك استحالة في حمل الحكومة على السير في هذا التوجه،فيما خرق إتفاق وقف النار لا يزال مستمرا، واحتلال التلال الخمس قائما،والنقاط الحدودية المختلف في شأنها ساريا. والواضح أن الحملات التي تشنها جهات محلية في شأن نزع سلاح ” حزب الله”،هي من باب الفولكلور الدعائي، لأن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اخذ الأمر على عاتقه، وتعهد بمعالجة الموضوع كونه بالغ الحساسية، وازداد تعقيدا مع نشوب الاحداث في حمص والساحل السوري وجرمانا وصحنايا والسويداء والتي طاولت العلويين والدروز والشيعة والمسيحيين،ما رفع نسبة المخاوف والهواجس إلى حدودها القصوى. وبالتالي،فان الرئيس عون يعطي الاولوية لموضوع السلاح ولكنه لا يريد ” سلقه” أو تعريضه للانتكاسة،وهو لم يقطع الحوار مع الحزب، وأن المؤشرات لدى الاخير تؤكد وجود إيجابية ملحوظة. وهناك عينة عنها في جنوب الليطاني حيث التجاوب كبيرا من المقاومة مع وحدات الجيش المنتشرة في تلك المنطقة، والانضباط الواضح في سلوكه الميداني،لذلك فان هناك حرصا رسميا على التصدي لكل محاولة إيقاع بين الجيش اللبناني و” حزب الله”. في هذا الجو تتحرك فرنسا انطلاقا من إصرارها على الاحتفاظ بدور معين في منطقة تعرفها جيدا، ولها فيه وجود تاريخي منذ غابر العصور، ولا سيما في بلد الارز، ونفوذها اليوم ليس كما كان عليه من قبل، لكن نواة حضورها في مختلف المجالات لا تزال موجودة. وهي واعية تماما انها غير قادرة على منافسة واشنطن ومجاراتها،ولكنها رسمت لنفسها دورا تصر على أدائه نظرا لحضورها المتعدد الوجه والمتجذر في كل من لبنان وسوريا.ولن يكون هذا الدور صداميا مع الإدارة الاميركية بل متمما له في بعض النواحي سواء حصل تنسيق أو لم يحصل. إن واشنطن ستكون في المرحلة المقبلة ولامد لا يمكن تقديره آنيا، سيدة اللعبة في منطقة الشرق الاوسط،وستكون سفارتها في عوكر هي المنصة الرئيس التي ستتولى تنفيذ سياساتها في هذه المنطقة،لأن بلدا بحجم لبنان لا يحتاج إلى سفارة بهذه الضخامة،لو لن يعهد اليها دور ” الرادار”الاقليمي الذي سيكون المزود الأول للإدارة الاميركية بالمعطيات والمعلومات التي تعينها على رسم سياستها الخارجية في الشرق العربي، ومغربه،إضافة إلى البلدين الاقليميين الواسعي النفوذ: إيران وتركيا. هذه الصورة مستقاة من قراءة واقعية لمسار السياسة الاميركية في المنطقة،ولكن هل كل ما يسعى اليه المخططون هو قابل للتنفيذ، أو أن دونه عقبات؟ لا يمكن الجزم بالنتائج حالا، مما يعني الانتظار بعض الوقت للحكم على نجاحهم أو إخفاقهم.



