إنذارٌ أميركي بالنار.. نزع السلاح أو الحرب!


محمد حميّة
ليس محضُ صدفة التزامن بين سلسلة مواقف مناوئي حزب الله وبين جولة الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب والبقاع! إذ افتتح وزير الخارجية جو رجّي حلقة التصريحات التصعيدية، باعتباره أن بقاء سلاح الحزب ذريعة لإسرائيل للاستمرار بعدوانها على لبنان، ثم جاءت تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام في مقابلة عاجلة على قناة العربية ليعلن أن معادلة الجيش والشعب والمقاومة أصبحت من الماضي وكأنه يقول إن سلاح حزب الله بات من الماضي، ومروراً بتصريح النائب غسان حاصباني الذي ينطوي على تهديدات مباشرة والإستقواء بالتدخل العسكري الخارجي ضد حزب الله، بقوله “إذا لم تسحب الدولة السلاح فسيتم تلزيم المهمة لإسرائيل جنوباً ومسلحي تحرير الشام شرقاً”.
هذه التصريحات وغيرها من المعطيات والمعلومات المتوافرة والتي جاءت أيضاً بعد إنقلاب إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار وتجدد الحرب على غزة وعودة التوتر بين الولايات المتحدة واليمن، تؤشر الى أن التوجه الخارجي هو مزيد من الضغط على لبنان والخطوات التصعيدية على كافة الصعد، بهدف الإطباق على حزب الله وحصار المقاومة تمهيداً لنزع سلاحها، إما عبر الدولة اللبنانية أو بالحل العسكري الخارجي.
وشكلت هذه التصريحات من حيث يعلم مطلقوها أو لا يعلمون، مظلة سياسية لجولة العوان الاسرائيلي الأخير على لبنان، ما كشف بوضوح أن معظم الحكم الجديد في لبنان مكلف أميركياً بتنفيذ أجندة سياسية – أمنية لا سيما ما يتعلق بسلاح المقاومة وصولاً الى إطلاق مسار السلام والتطبيع وليس انتهاء بإخضاع لبنان للوصاية الأميركية الغربية المباشرة، وذلك ضمن إطار المشروع الأميركي بتغيير جيوبوليتيك الإقليم تتزعمه إسرائيل ثم الإستفراد الأميركي بالهيمنة على النظام الدولي.
سبقت مواقف مناوئي المقاومة ما نُقِل عن مبعوث الرئيس الأميركي الى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف حول عدم الرضى الأميركي عن أركان الدولة اللبنانية أزاء التعامل مع ملف سلاح الحزب، وأن واشنطن أبلغت الرؤساء أن أمامهم مهلة شهرين لحل ملف السلاح وإلا ستطلق اليد الإسرائيلية في لبنان! وإن سارع ويتكوف للنفي، غير أن مصادر دبلوماسية تؤكد لـ”الجمهورية” أن كلام ويتكوف هو الموقف الأميركي الحقيقي، والذي حمل تهديدات أميركية واضحة للدولة اللبنانية، وما جولة الغارات الأخيرة إلا إنذار بالنار قد يجري توسيع الحرب إن لم تتلقفه الدولة وتسارع الى احتواء سلاح الحزب.
وليس محضُ صدفة أيضاً أن تستعر الحملة السياسية على المقاومة وترتفع سخونة الجبهة العسكرية الجنوبية، قبل أسبوعين من تصريحات مبعوثة وزير الخارجية الأميركي مورغانا أورتاغوس التي تحدثت عن تأليف ثلاث لجان لبدء المفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البرية.
وفي ضوء هذا المناخ التصعيدي الخارجي – الداخلي ضد حزب الله، جاءت حادثة إطلاق خمسة صواريخ من الجنوب باتجاه المطلة، بهدف تبرير الإنذار الناري ولمنح مصداقية للتهديدات الأميركية، ومحاولة استدراج حزب الله للرد لتأخذه إسرائيل ذريعة لتوسيع الحرب ضد حزب الله.. أما الهدف المركزي فهو بلوغ مرحلة الضغط القصوى على الدولة اللبنانية لاتخاذ خطوات سياسية وعسكرية أمنية ضد حزب الله لإنهاء سلاحه وجر لبنان الى التفاوض المباشر مع إسرائيل حتى بلوغ مرحلة السلام والتطبيع.
لكن مسارعة حزب الله الى نفي ضلوعه بإطلاق الصواريخ ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الأجهزة الأمنية والقضائية للتحقيق وكشف هوية مطلقي الصواريخ، وموقف رئيس الجمهورية الرافض لهذا العدوان الإسرائيلي واتصالاته مع المسؤولين الأميركيين، شكل مظلة سياسية لإجهاض محاولة منح ذريعة لإسرائيل لتوسيع عدوانها واستهداف الضاحية وفق التهديد الاسرائيلي.
والحقيقة أن واشنطن وحلفائها وفق مصادر في فريق المقاومة يريدون من الحكومة اللبنانية والعهد الجديد أن ينفذوا بالسياسة ما عجزت عنه إسرائيل خلال شهرين ونيف من الحرب وما لم تأخذه في مفاوضات وقف إطلاق النار. وتشير لـ”الجمهورية” الى أن حزب الله لن يستدرج للحرب وملتزم القرار 1701 وسهل انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، ويقف خلف الدولة بمواجهة التهديدات الإسرائيلية المستمرة، لكن لن يسمح للاحتلال الإسرائيلي بأن يفرض الشروط السياسية التي عجز عنها خلال فترة الحرب، لا سيما ما يتعلق بسلاح المقاومة شمال الليطاني وجرّ لبنان الى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل عبر اللجان الثلاثية. وشددت المصادر على أن الحزب مستعد لبحث مسألة السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية أو استراتيجية الأمن الوطني وفق خطاب القسم، لكن ضمن سؤال مركزي هو كيف نحمي لبنان لا كيف نجرده من عوامل قوته. وتحذر المصادر من أي خطوة متهورة بوضع الجيش اللبناني في مواجهة المقاومة ما يمس بالسلم الأهلي ويأخذ البلد الى الانفجار. ودعت الى تحلي أركان الدولة والقوى السياسية كافة بالحكمة الوطنية والحرص على البلد، مؤكدة أن المقاومة لم تنهزم كما يتصور البعض ولازالت تشكل قوة سياسية وشعبية وعسكرية كبيرة يمكنها مواجهة الأخطار المحدقة بالبلد الى جانب الشعب والجيش اللبناني.
ثمةَ من يقول إن الأميركيين يرفعون سقف مطالبهم في المفاوضات للحصول على أعلى المكاسب، ولذلك وضعوا سقف التطبيع ليصلوا الى توسيع حدود الكيان الإسرائيلي في لبنان وسوريا والضفة الغربية بناء على وعود الرئيس الأميركي ترامب، لكن جهات عليمة تبدي مخاوفها من أن تستفيد واشنطن وتل أبيب من تبدل موازين القوى العسكرية في لبنان والمنطقة، لتحويل الخط الأزرق الى خط حدود بين لبنان وفلسطين المحتلة والإطاحة بحدود اتفاقية الهدنة للعام 1949.
ووفق أوساط سياسية فإن مسألة سلاح حزب الله مرتبطة بعدة ملفات محلية وإقليمية:
*الانسحاب الإسرائيلي الكامل الى الحدود الدولية وتطبيق القرارات الدولية ووقف الاعتداء على لبنان.
*الاستراتيجية الدفاعية أو استراتيجية الأمن الوطني، أي الاستفادة من قوة المقاومة في إطار استراتيجية الدولة اللبنانية للدفاع عن لبنان، مع تسليح الجيش اللبناني بسلاح دفاعي وصاروخي قادر على حماية الحدود الجنوبية والشرقية والسيادة اللبنانية.
*بالموقف العربي والسعودي تحديداً بربط السلام مع إسرائيل بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولضفة الغربية وحل الدولتين، إذ أن لبنان آخر دولة عربية تطبع مع إسرائيل.
*المفاوضات المتوقعة بين الولايات المتحدة وإيران، وما ستفضي اليها من نتائج على صعيد الملف النووي الإيراني والصواريخ العسكرية وما إذا كانت ستشمل ملفات إقليمية ومنها سلاح حزب الله أم ستقتصر على المفاوضات النووية.