صفحات مطوية من أمس قريب وبعيد
حبيب شلوق
تعود معرفتي بالصحافية الزميلة هدى شديد التي خسرناها أمس إلى نحو 33 عاماً وهي كانت تحمل إسم هدى سعادة نسبة إلى زوجها الراحل، يومها كانت مراسلة لجريدة “اللواء” في الشمال.
رحم الله هدى التي عانت في بداياتها كما في نهاياتها.
في تلك الفترة كانت لجنة الحوار المسيحي ــ الإسلامي ناشطة ومدعومة من القيادات الدينية وكان على رأسها أمينان عامان هما حارس شهاب ومحمد السماك ومعهما سعود المولى وعباس الحلبي (الوزير) وآخرون.
كانت مرحلة هادئة هانئة.
وذات ليلة في 27 تموز 1992 تلقيت إتصالاً من صديقي الأمير حارس شهاب وكنت المستشار الأول لدى البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، يسألني فيه: “هل أنت ذاهب إلى الديمان غداً؟ فالإمام شمس الدين متوجه إلى هناك للقاء البطريرك”؟ فأجبته “أكيد”. ورد علي “منطلع سوا”. ثم قال لي إذا شئت نلتقي على الأوتوستراد أنطلياس أمام منزل طوبيا سلامة (والد زوجته) وتترك سيارتك هناك ونصعد في سيارتي. وتوافقنا.
وفي اليوم التالي ترافقنا إلى الديمان وحصل لقاء مميّز إذ حضر الإمام شمس الدين ومعه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان ( هو غير إبنه أحمد قبلان إذ كان منفتحاً ومهضوماً)، وبعد لقاء وتشاور كان غداء مع البطريرك صفير وعدد من المطارنة ثم جولة في أرجاء الدير وعلى تخوم قنوبين.
ذاك اليوم في الديمان تعرفت إلى هدى شديد سعادة التي اُرسلت لتغطية اللقاء، وكانت مراسلة لجريدة “اللواء” في الشمال. ولفتتني تلك المراسلة الرصينة ، وخصوصاً المتابعة، إذا غادر معظم المراسلين في الديمان بعد الغداء وظلّت وحدها.
هادئة كانت هدى ولكن مثابرة، وأنا كنت آتياً من بيروت “مكلّخ سناني” وبصفتي “إبن النهار” لا أقبل أي “تنمير” أو أي Scoop ضدي.
ولا واردة.
بعد الغداء وكنت أنا وهدى وحدنا كصحافيين دخلنا كما العادة إلى كنيسة الديمان وبعدها مشياً إلى كرسي المطران على كتف وادي قنوبين الشاهق. وتفرّدت هدى بصور وأنا لا مصور معي إذ أن مصور “النهار ” ، كان “تغدى وتمشى إلى طرابلس”. وأنا كنت أعاني إذ لا “سلولار” ولا هواتف.
المهم وكما هي العادة بعد الغداء في البطريركية توجه البطريرك وضيفه إلى الكنيسة ، ولدى دخول الإمام شمس الدين إلى الكنيسة خلع حذاءه فقال له المفتي قبلان هامساً:” مولانا هون حضاريون لا يخلعون الحذاء”، فسارع الى إرتدائه”.
وبعد الصلاة مشياً إلى كرسي المطران وكان معهم إلى المفتي قبلان النائب البطريركي العام في الجبة المطران خفيف الدم المبتسم الدائم فرنسيس البيسري، وأنا وهدى سعادة شديد.
وفي الطريق كنت ملاصقاً لهما وأسجل الحوار ” ولو وشوشة”،وهي تسجل الأحداث بكاميرتها من بعيد. هي كانت على رغم بعدها مرتاحة وأنا “أغلي”، إذ على كرسي المطران صورة لا تُضاهى.
وفي الحوار الذي لم تسمعه هدى لأنها كانت ملهية بالتصوير، قال المفتي قبلان للمطران بيسري مع ابتسامة كبيرة، وهما وراء البطريرك صفير والشيخ شمس الدين على طرف تلك الصخرة الشاهقة:”شو رأيك ندفشهم لتحت ومنستلم البطريركية والمجلس الشيعي أنا وأنت؟” فرد المطران بيسري بابتسامة أكبر:”إنت نياّلك ما في غيرك، أما أنا فنحن4 نواب بطريركيين، منتقبّر”.
رحم الله المطران بيسري الصديق الأهضم.
ورجعنا من الديمان إلى بيروت ة واتصلت بأحد أصدقائي الحميمين في جريدة “اللوء” وطلبت منه صورة من عدسة هدى شديد، ووعدني خيراً ولكنه اتصل بي لاحقاً ليقول أن لا صور و”الفيلم محروق”. و
هكذا تعبت هدى وتعبت أنا،وكلانا أفاق في اليوم الثاني غير راضٍ تماماً.
رحمك الله هدى التي أعرفها منذ 33 عاماً، من “اللواء” إلى “النهار” … إلى الـ LBC.
عزيزتي هدى …حتماً لن أنساكِ.. وأنتِ تعرفين ذلك.