جوزف القصيفي
بعض من إطلع على مقالتي المنشورة يوم الاربعاء الماضي في جريدة ” الجمهورية” بعنوان:” لبنان بين مخلبين: المؤتمر الوطني ضرورة” ، رأوا اني صغت المقالة بحبر الحذر، وانها لم تخل من نقاط لامست فيها الخشية من تطور الأمور في لبنان إلى أسوأ، وأن الوضع الراهن في لبنان بعد وقف إطلاق النار جنوبا لا يحتاج إلى مؤتمر وطني لبحث موضوعات هي من صلب صلاحيات الدولة ، ومنها الاستراتيجية الدفاعية، واستكمال تطبيق الطائف وتصحيح ما ينبغي التصحيح فيه. إن الطلب من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيسي مجلسي النواب والحكومة نبيه بري ونواف سلام، المسارعة إلى الدعوة لمؤتمر وطني له مسوغاته الوطنية والواقعية، وذلك تحوطا لتطورات قد تدفع البلاد إلى منزلقات خطيرة. أولا: هناك خوف مبرر من أن تعود الفتنة إلى لبنان في ضؤ ما يحمله مشروع قانون أميركي بعنوان :” منع الجماعات المسلحة من الانخراط في التطرف:PREVENTING ARMED GROUPS FOR ENGAGING IN RADICALISM “الذي يشار اليه باسم :”PAGER ” الذي قدمه النائب الجمهوري من فلوريدا غريغ ستيوب ويقترح حظر ” تقديم المساعدات للقوات المسلحة اللبنانية حتى تلغي السلطات الحاكمة في لبنان اعترافها بحزب الله وكتلته”كما يحظر الاقتراح على الافراد التابعين لحزب الله أو المنظمات الاخرى المرتبطة بايران الخدمة في مناصب وزارية ” وأن ” لبنان ملتزم بقرار مجلس الأمن الرقم 1559بازالة حزب الله والجماعات الاخرى من أراضيهم. ” وأن ” ينهي الجيش اللبناني علاقته بحزب الله وإيران وجميع المنظمات التابعة لها”وحتى يكتمل ” النقل بالزعرور” يطلب الاقتراح الغاء” السلطات الحاكمة في لبنان إعترافها بحزب الله وجناحه السياسي المتحالف معه، اي كتلة الوفاء للمقاومة وحليفته حركة إمل.”كما يطلب المشروع فرض قيود وعقوبات وعوائق لتطويق الحزب وحلفائه وتعزيز الحماية السياسية والقضائية لمن يحاربه ويسعى إلى تشديد الحصار عليه من قوى سياسية في الداخل. بالفعل هناك حملات مبرمجة وممنهجة ضد الثنائي الشيعي، ولاسيما ” حزب الله”. وبطبيعة الحال ، فإن هذا الاقتراح ولو لم يحسم مصيره بعد ، لأن مشاورات واجتماعات وحملات سوف تسبق صدوره من عدمه. وبطبيعة الحال ان ينقسم المجتمع السياسي ومعه الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حيال هذا الموضوع. مما يعني تأجج الصراع الداخلي على اساس طائفي ومذهبي. فالحكومة اللبنانية لن تكون مستعدة للمغامرة بالسلم الاهلي وتعريض وحدة لبنان للخطر اذا ما قيض للمشروع أن يمر في ” الكونغرس”. وبالتالي ، فإن الجيش اللبناني الذي لن يكون مستعدا للدخول في مواجهة مع أي مكون لبناني مهما اشتدت الضغوط. ثانيا: ستكون للأحداث الدامية في الساحل السوري إذا ما تمادت وتطورت انعكاسات سلبية على لبنان سواء بين النازحين السوريين على أرضه، أو في المناطق اللبنانية التي ينتشر فيها أبناء الطائفة العلوية، وما حصل من توتر ليل اول من أمس بين ” جبل محسن” و” باب التبانه” في طرابلس هو دليل واضح على دقة الوضع وخطورته في هذه المنطقة من لبنان. ثالثا: إن الاحداث في الجنوب السوري أرخت بظلالها على مناطق لبنانية معينة حيث تنقل التقارير الامنية معلومات عن تحركات بين البلدين لمجموعات تنشط بين السويداء والجولان.الامر الذي يضفي قلقا مضاعفا من اتجاه الاحداث في هذه المنطقة من سوريا وامتداد شرارتها إلى لبنان. رابعا: إصرار إسرائيل على عدم تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701، والاستمرار في إحتلال التلال الخمس، وتعقب الناس بالقصف، ومواصلة أعمال الجرف والهدم، ومحاولة انشاء شريط حدودي جديد بأسلوب مختلف عن شريط سعد حداد (1976)، وأن انتهاكاتها البرية بنقل مساوطنين صهاينة إلى بلدة جنوبية بذريعة الحج إلى قبر أحد ” الحاخامات” المدفون فيها،تعني انها تزرع مسمار جحا في قلب الاراضي اللبنانية لتدعي مستقبلا أن لها حقوقا في هذه الأرض. إزاء هذه المعطيات غير الوردية التي يعرفها رئيس الجمهورية ورئيسا مجلسي النواب والوزراء وكبار المسؤولين الا يستحق الأمر مؤتمرا وطنيا عاجلا وملحا، لتأكيد ثوابت لبنان الوطنية وتوطيد أركان وحدته، والذهاب بشجاعة إلى اللقاء والمصارحة والمصالحة بعد الاتفاق على الموضوعات الخلافية ، وفي مقدمها الاستراتيجية الدفاعية، الموقف من إسرائيل وسياستها التوسعية، ومصير سلاح ” حزب الله”، ومفهوم السيادة الوطنية وكيفية الدفاع عنها. إضافة إلى عدد من البنود الإصلاحية الأساسية التي أظهرت التطبيقات الاستنسابية لاتفاق ” الطائف” منذ العام 1992 الى اليوم، أن الحاجة إلى تطبيقها اكثر من ملحة. ومن النادر أن تجد لبنانيا متابعا لمسار الوضع في بلده الا ويقر بأن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يعي تماما حجم الاخطار المحدقة ويسعى إلى تداركها، وكذلك رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، وهم جميعا متفقون على إبعاد فتيل التفجير عن برميل البارود. لكن حجم الضغط الخارجي هو من نوع ” الاثقل” من ثقيل، ويحتاج إلى جهد استثنائي. وإن مقاومة هذا الضغط لا تتوافر شروطها الا اذا كانت مستندة إلى دعم وطني كبير لا يحققه الا المؤتمر الوطني المنتظر. وإن خير البر عاجله.



