لبنان بين مخلبين : المؤتمر الوطني ضرورة

جوزف القصيفي


يرى متابعون للشأن اللبناني في الداخل والخارج الذين يتولون مراقبة الاحداث والتطورات، ويتعاطون بجدية مع ما يحصل في الاقليم، ولاسيما في البلد الأقرب: سوريا، أن ثمة مقاربة مختلفة يجب اعتمادها للتحوط من أخطار قد تفد إلى لبنان، وتزيد من معاناته وتدفع به قسرا، ومن دون إرادته نحو هاوية جديدة لا بد من تلافيها. وهذا الكلام ليس للتخويف، ولا للمعاكسة. فرئيس الجمهورية العماد جوزف عون بدأ إطلالاته وجولاته الخارجية من البوابة السعودية، وشارك في القمة العربية الطارئة بالقاهرة حيث القى كلمة مدروسة، تدعو العرب للالتفات إلى لبنان ودعمه سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا ليتمكن من النهوض والانطلاق، وتنفيذ الوعود التي لم يجف حبرها بعد بمساعدته على العبور من حال إلى حال. ويعتقد المتابعون أن حالا من الضبابية تلف المشهد الدولي والعربي حيال لبنان في الوقت الذي دق فيه رئيس الحكومة نواف سلام نفير العمل واعدا المواطنين بانجازات تعيد اليهم الأمل بمستقبل وطنهم.لكن لبنان الخارج من حرب مدمرة، والرازح تحت وطأة إحتلال ناجم عن رفض إسرائيل الانسحاب من المواقع التي لا تزال تحتفظ بها على الرغم من دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، واستمرار الضغط الدولي والعربي عليه، بمطالبته بما يخرج عن قدراته، سيبقى في عين العاصفة اذا لم يتفهم المجتمع الدولي خصوصيته وواقعه السياسي – الطائفي المركب، ويساعده على إجتياز المرحلة بالحد الأدنى من الخسائر، والا فإن وضعه قد يماثل الوضع السوري من حيث الخطورة، وتعريض وحدته للتصدع. من هنا يرى المتابعون ضرورة الاقدام على خطوة كبيرة ذات بعد مصيري، تتمثل بالدعوة قريبا إلى مؤتمر وطني يجري الاعداد له بعناية بالتنسيق بين رئيس الجمهورية، وكل من رئيسي مجلسي النواب والوزراء، بما يسهل التوصل إلى حلول واضحة وجذرية للموضوعات الخلافية،واستصدار ما يتم التوافق عليه بقوانين، ومن ثم بمراسيم. وهكذا تكون قرارات المؤتمر الوطني مدعومة باوسع تأييد شعبي وسياسي، ومقوننة ومشرعنة في السلطتين التشريعية والتنفيذية، بإشراف مباشر من رئيس الجمهورية كونه المؤتمن دستوريا على وحدة البلاد وسيادتها. وبطبيعة الحال فإن الموضوع الملح سيكون الاستراتيجية الدفاعية، ودور المقاومة وسلاحها فيها، وبأي صيغة ستتم المعالجة. وهناك عدة افكار مطروحة في هذا الإطار. لأن عكس ذلك يعني الذهاب إلى نزع السلاح عنوة، اي الذهاب إلى الصدام. وعلى هذا المؤتمر أن يجد الاجوبة على كيفية تنفيذ ما لم ينفذ حتى آلان من إتفاق الطائف، لاسيما لجهة إلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس شيوخ، ووضع قانون جديد للانتخاب، وتعديل ما يجب تعديله في الاتفاق ليأتي اكثر توازنا وعدالة. وفي أي حال لا بديل عن الطائف مهما كانت المسوغات النقيضة. إلا أن الأهم من ذلك كله هو وقوع لبنان بين مخلبين جارحين يتساويان في الايلام: مخلب استمرار الاحتلال الاسرائيلي والاعتداءات المتكررة بوتيرة مكثفة على بلدات الجنوب وقراها وصولا الى البقاع، ومخلب الفوضى على حدوده مع سوريا التي تعاني من خروقات في جنوبها والتي تهدد وحدة هذا البلد وسيادته، ويخشى أن تكون لها تداعيات غير مباشرة على الوضع اللبناني. لذلك، فان المؤتمر الوطني الذي تسوده المصارحة،وروح المسؤولية الوطنية بات ضرورة ملحة، فيما لبنان في سباق مع الوقت، والوقت لا يرحم اذا لم يحسن المسؤولون الافادة منه وتوظيف كل الامكانات للعبور إلى ضفة الانقاذ المنشود.