استاذ غنطوس كان المحقق وإبن الضيعة فك الإشتباك
حبيب شلوق
هذه الصفحة اليوم تعيدني إلى نيّف وخمسين سنة إلى الوراء ،وتحديداً إلى بداية السبعينات أو قبلها بقليل، وهي تشير إلى عشقي للسياسة والقضايا النقابية وحرية الرأي، وإلى مقولة “مَن شبّ على شيء شاب عليه”. وهنا شيء من عشرات الممارسات التي لا مجال لذكرها.
1 ــ منذ التحاقي بثانوية فرن الشباك (سعيد) وكانت لا تزال قبالة المبنى القديم للبلدية، أقدم الناظر أنطوان فرحات على تعيين “عريف” يهتم بكل التحضيرات لتجهيز الصف،ويكون معاوناً للأستاذ ، ولكننا على رغم صداقتنا مع العريف المعيّن رفضنا التعيين، وقمنا بحركة إحتجاج تمكنّا فيها من فرض زميلنا رولان غفري عريفاً. ولكن الناظر لم “يبلع” المسألة وحملها طوال سني الدراسة التكميلة حتى السنة الرابعة Brevet عندما “تحرّرت” إذ صار التمثيل الطالبي في رابطة الطلاب يتم عبر الإنتخاب وهكذا كنت ممثلاً للطلاب في رابطة طلاب الثانوية ولاحقاً في الإتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية .
ولـ”إثبات” وجودنا كان أول تحرك نقابي أشارك فيه هو التصادم مع السلطة عندما أعلنامواجهة قرارإدارة “جحش الدولة”(هكذا كنا نسميه)، رفع سعر بطاقة الأوتوبيس، واعتصمنا في باحة توقف الأوتوبيس في عين الرمانة أعطيناه “الأوامر” بأن يقلّنا طول خطه من عين الرمانة إلى الروشة ذهابا وإياباً. واجتزنا المرحلة الأولى على خير ونحن نهتف هتافات “ثورية”. ولكن الرجعة كانت مختلفة، وكانت “الفرقة16 ” وما أدراكم ما “الفرقة 16” تنتظرنا في منطقة تقاطع شارع سامي الصلح الحد الفاصل بين قضاء بعبدا حيث الثانوية، وبيروت ، فأوقفتنا وصعد يومها قائد الفرقة آنذاك العميد مختار عيتاني مع3 عناصر منها بأجسام رياضية يكشفون عن سواعدهم المفتولة (هكذا كانت شروط القبول بالفرقة). كان عيتاني “لا يضحك لرغيف السخن” وبادرنا شذراً وبعبوس واضح: “معكم دقيقتان تا تنزلوا”و… نزلنا إذ “ما في مزح “، واقتادنا عدد من العناصر نحن واجهة التحرك إإلى مخفر فرن الشباك، ليستجوبنا المحقق.
ولكن “الله مابيبلي تا يعين”، إذ كان المحقق استاذنا لمادة التربية المدنية في الصفوف التكميلية القاضي جورج غنطوس ، وكانت تربطني به علاقة جيدة وصداقة. ومرّت على خير.
2 ــ والإختبار الثاني كان عندما اتفقنا مع رابطة طلاب مدرسة الحكمة في الأشرفية وكنا في تنافس معهم على قيادة التحركات الطالبية ، كذلك كانت لنا رفيقات النضال طالبات ثانوية فرن الشباك للبنات (مدام عون) وثانوية الشحروري للبنات في الأشرفية، وانطلقنا لدعم مطالب طلاب الجامعات، مروراً باليسوعية، وقررناً التوجه إلى ساحة البرج واحتلالها.
ونزلنا وما أن وصلنا إلى ساحة الدباس حتى فاجأتنا قوة من “المباحث”وهي مركز درك يقع شرق الساحة ، وقد أعلنت التعبئة وهرول ضباطها وعناصرها نحونا. وتشاء الصدف أن أكون أنا أحد المشاغبين وجهاً لوجه مع إبن بلدتي ــ واعتذر عن ذكر إسمه إذ ربما لا يريد ــ ولما رآني وكان راكضا ً وبيده كرباج، ويده الأخـــرى يمسك المسدس إلى جنبه الأيمــن، قال لي : “إنت كمان؟ أبعد من طريقي”، فتنحيت وهو أكمل صعوداً.
مرة ثانية تمر القصة على خير.
3 ــ في بداية عهد الرئيس سليمان فرنجيه شكّل الرئيس صائب سلام “حكومة الشباب” وكانت حكومة مميّزة وضمّت بين مَن ضمّت: غسان تويني نائباً لرئيس الحكومة وزيراً للأنباء (هكذا كانت تسمى) والتربية، هنري إده (الأشغال)، صائب جارودي(الإقتصاد)،جميل كبي ( البريد والعدل)،إميل بيطار (صحة)، خليل أبو حمد (الخارجية)، حسن شرفية ّ( التصميم)، الياس سابا المالية)، ولأن تلك الحكومة سحرت االجميع اتفقنا مع كل الكليات على الإنطلاق بتظاهرة دعماً لغسان تويني وزير التربية ولمشاريعه في الوزارة، وأطلقنا شعارات
“وإنتَ يا إبن تويني
انت يا حبة عيني”
ومع أننا كنا ككليات حقوق وعلوم وفنون من “جماعة اليمين” مع سليمان ومستشاره رامز خازن، إلا أننا لم نمانع في انطلاق تظاهرة من الحقوق إلى الفنون ثم إل التربية والآداب، على أن توافينا كلية العلوم من الحدت،ونلتقي على مستديرة المطار و”نزحف زحً نحو القدس”، عفواً هيدا Iapsus) )، انمكا صوب المطار، ووصلنا إلى المسديرة من كل الكليات والثانويات.
ولكن للإطفائية لغة أخرى وأكلنا “دوش” لم نأكل مثله من قبل. دوش مياه ملونة أحمر على كحلي من فوج الإطفاء، الأمر الذي جعلنا نبقى في بيروت حتى ساعة متقدمة، لئلا تلقي قوى الأمن و”الفرقة 16 ” القبض علينا لتلوّن ثيابنا . ورجعنا فجراً .
كناّ سُذّج. وحدها كانت “أم حبيب” ساهرة .
وكان ما كان مما أذكره، فظن “شراً” ولا تسأل عن الخبر.
4 ــ يبقى أخيراً، أن المديرشفيق سعيد قرّر مراراً إرسالي إلى البيت بسبب “أنشطتي” لأصطحب أهلي والشكوى علي. واصطحبت والدي ووالدتي مراراً، ولكن عندما إزدادت طلباته، ولأن الله ما بيبلي تا يعين، تبين أن لي ثلاث جارات للمدرسة في عين الرمانة من وادي شحرور كنت أستعين بهن لزيارة المدير على أنهم خالاتي وعماتي وهن ه. خ. ب. وت. ح.م. ون. ب.
وهكذا مرّرنا البسنوات الثلاث على خير.
يبقى أنني لا أنسى مديري شفيق سعيد ولا أنسى فضله. وواكبته من الجعيتاوي ــ الأشرفية حيث منزله إلى مشان في أعالي جبيل.



