أمين القصيفي
لم يترك البيان الوزاري للحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية جوزيف عون برئاسة نواف سلام، أي باب ينفذ منه “الحزب” للتحايل والمناورة بسرديته وسلاحه على السيادة اللبنانية المنتهكة منذ عقود، وسيادة الدولة على كامل أراضيها واحتكارها السلاح وحدها وحصراً. “الحزب” محرج ومأزوم، لا شك، ولا يمكنه المزايدة حيال الموقف الحازم للرئيس عون من أن الانسحاب الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، مع عدم الانسحاب من النقاط الخمس، سيواجه بموقف وطني جامع كما قال عون، بالتالي هذه المسألة العالقة تتولاها الدولة حصراً، وليس لأي فريق أن يرفع شمّاعات لأهدافه ومصالحه الخاصة بعد اليوم في عهد عون وحكومة سلام على حساب المصلحة اللبنانية العليا. ولعل البيان الوزاري غير المسبوق منذ سنوات طويلة والمنتظر عرضه على مجلس النواب لنيل الثقة، يؤكد أن الدولة الموعودة الكاملة السيادة والتي تحتكر لوحدها قرار الحرب والسلم والتفاوض والدفاع عن شعبها وأرضها، وتحتكر حمل السلاح وتبسط سيادتها على كل أراضيها بقواها الذاتية حصراً، أسطع دليل على أن لبنان دخل عصراً جديداً واعداً عنوانه الدولة والدستور فوق الجميع.
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات العميد الركن المتقاعد خالد حماده، يشدد على أن “البيان الوزاري للحكومة تضمّن جملة من العناصر غير المسبوقة التي تلتقي عند ممارسة السيادة الوطنية، وأولها حصرية قرار الحرب والسلم بالدولة اللبنانية”، لافتاً إلى أن “القرار السيادي للدولة كان منقوصاً، إذ منذ توقيع اتفاق القاهرة العام 1969 شاركت منظمة التحرير الفلسطينية الدولة اللبنانية هذا القرار حتى خروجها من لبنان في العام 1982، ليصبح القرار السيادي بعد ذلك سورياً بقبضة نظام الأسد، قبل أن تتفرد به طهران منذ العام 2006 وحتى الأمس القريب قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024”.
حماده وفي حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني يشير في السياق ذاته، إلى أنه “قبل أيام نجحت الحكومة اللبنانية في اختبار سيادي آخر عندما رفضت هبوط طائرة إيرانية في مطار رفيق الحريري الدولي، بعد توفر معلومات عن نقلها أموال نقدية موجهة لـ”الحزب”، وبعد ذلك بمنع الطيران الإيراني من الهبوط في لبنان لأجل غير مسمّى، على الرغم من ادعاءات “الحزب” بأن ما قامت به الدولة هو رضوخ لضغوط وإملاءات إسرائيلية على حساب السيادة الوطنية، في حين أن “الحزب” هو من لم يقدّر المخاطر وذهب في مغامرات عسكرية غير محسوبة ولم يقم وزناً للسيادة بما يضرب عرض الحائط بالمصالح الوطنية”.
حماده يرى، أن “مغامرات “الحزب” العسكرية غير المحسوبة ألزمت اللبنانيين، خصوصاً من أبناء بيئته، بتذوق لوعة الموت ومرارة التشرد والدمار والخراب والإقامة في جوار ركام المنازل، ثم دفع بهم في نهاية المطاف إلى مواجهات مع أبناء وطنهم في القوات المسلحة، في الجيش اللبناني، بعد تدمير الممتلكات العامة والاعتداء على القوات الدولية “اليونيفيل”، كما حصل على طريق المطار قبل أيام”.
يضيف: “مواجهة عدم الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس بموقف وطني جامع، هو من عناصر القوة التي يتمتع بها لبنان والحكومة اللبنانية، فالحيثيات الواردة في متن البيان الوزاري والمتعلقة بالتزام تنفيذ القرار 1701 كاملاً دون اجتزاء ولا انتقاء أو انتقاص، والتأكيد على ما جاء في القرارات ذات الصلة وما ورد في اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، والتأكيد على الالتزام بالترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية كما ورد في 27 تشرين الثاني 2024، تشكل بمجملها قطعاً مع كل ما قدّمته الحكومات السابقة من ثلاثيات مصطنعة ألقت بمسألة الدفاع عن لبنان في متاهات حروب إقليمية لا نهاية لها”.
يتابع: “أعاد البيان الوزاري مسؤولية الدفاع عن لبنان إلى موقعها الدستوري والقانوني من خلال وثيقة الوفاق الوطني التي تلزم الحكومة باتخاذ كافة الإجراءات لتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال، وتأكيد حق الدفاع عن النفس بقواها الذاتية ونشر الجيش على الحدود الدولية. وتأتي في هذا الإطار الدعوة لبدء حوار جاد مع الدولة السورية الجديدة، يهدف إلى ضمان احترام سيادة كل من البلدين وضبط الحدود من الجهتين، وفي هذا إسقاط لمفهوم المحاور الذي استمر لسنوات بين سوريا أو بين إيران عبر سوريا وقوى محلية تعددت عبر السنوات الماضية على حساب السيادة اللبنانية”.
حماده يشدد، على “مسألة تأكيد احتكار حمل السلاح بيد الدولة كما ورد في البيان الوزاري للحكومة، والدعوة إلى سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية”، معتبراً أنه “قد يكون في استخدام تعبير استراتيجية أمن وطني، إسقاط لكل المقاربات السابقة التي توخَّت من مناقشة الاستراتيجية الدفاعية بالنسبة للبعض، التأكيد على النديّة بين سلاح “الحزب” والجيش اللبناني والبحث عن سبل لتشريع سلاح “الحزب” وجعله جزءاً من القوات المسلحة الحكومية، وهذا ما أسقطه البيان الوزاري”.
في قراءة حماده لما تضمَّنه البيان الوزاري من نقاط القوة المشار إليها، أنها “تشكل الأرضية الصلبة التي ستمكّن لبنان الرسمي من التوجه إلى المجتمعين العربي والدولي لإلزام إسرائيل بالإنسحاب الكامل، وإسقاط استخدام النقاط الخمس كورقة ضغط إسرائيلية يقبلها المجتمع الدولي للإبقاء على الاحتلال، تحت ذريعة الدفع بلبنان لتطبيق ترتيبات وقف إطلاق النار بأسرع وقت ممكن”.
حماده يرى، أن “التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة يكمن في تسليم “الحزب” بالتحوّل الفعلي من ميليشيا مسلحة انتهى دورها، إلى حزب سياسي قادر على المشاركة السياسية الديمقراطية”، معتبراً أن “أسمى ما يمكن أن يقدمه “الحزب” لجمهوره وللبنانيين جميعاً لإخراج إسرائيل من الجنوب، هو المسارعة إلى إعلان حلّ جناحه العسكري وتسليم سلاحه للجيش، وقد يقدِّم “الحزب” في هذا لجمهوره ما لم تتمكن ترسانته العسكرية من تحقيقه. فهل يفعلها؟”.
موقع القوات اللبنانية



