“اوقفوا الاطلالات”

سعيد غريّب

  لا مجال للانتظار بعد لأنّ ما يرسم للمنطقة بدأت تتّضح معالمه، وعلى كلّ شفة ولسان. وكأنّ رؤية الصحافي ميشال ابوجودة، قبل واحد وخمسين عاما، بدأت تترجم أمرا واقعا. في مقال أبو جودة الشهير، الذي كتبه في العام 1974، كلام يعجز العقل عن تصديقه. يقول: “اننّا نواجه عملية تغيير كامل لخريطة المنطقة، دول كاملة ستزول ودول جديدة ستقوم، امبراطوريات جديدة ستقوم ولا بدّ لها من تصفية كلّ من يعترض طريقها، وكلّ هذه التعديلات ستجري في الجسم الحي لكلّ الذين يقاومون أو يعترضون أو حتّى يشكّك في أنّهم يعرفون. ستكون ظلمات فوق ظلمات وسيفزع الرجل من مخدعه ويبيع زوجته وبعض أهله”. وبعد، هل نعود نحن اللبنانيين الى التاريخ القديم؟ هل نفتح صفحاته؟ هل تنوقف عند عبارة وردت في التوراة :” افتح أبوابك يا لبنان تأكل النار أرزك”؟ هل نتّعظ فقط من هذه العبارة قبل أن نقف وقفة تأمّل ونغيّر الحسابات، ونلغي التآمر والمتآمرين على لبنان؟ لعلّ أكثر الاستحقاقات الداهمة اليوم هي حماية الاراضي اللبنانية وحدودها وامن شعبها جنوبا وشمالا، تطبيقا للقرارات الاممية، وبعيدا من الخطط والطروحات المستجدّة على مستوى المنطقة ككلّ،مع ما تحمله من انعكاسات على لبنان. انّ المطلوب اليوم هو اعادة الاعتبار الى لبنان الوطن وحمايته من صراع الساحات ومن اي تأثير سلبي للتحولات القائمة والخطط المرسومة للمنطقة برمّتها. ووسط خرق جدران الصوت فوق سماء لبنان وفي التصريحات المتداولة من اسرائيل الى واشنطن والعالم، تبدو مباشرة عملية اعادة تكوين السلطة اللبنانية وانتظام المؤسسات، تحت سقف خطاب القسم، الباب العملي الواعد لمواجهة استحقاقات الانقاذ والاصلاح . ولطالما علّل اللبنانيون النفس يوما ببلوغ هذين الهدفينواقعين بين يأس ثقيل وأمل يتمسّكون بحباله. وهم يعوّلون بشدة على ابقاء الامن مستتبا، انطلاقا من ان المرحلة الحاضرة لا تحتمل ايّ فلتان او انتقاص فيما يبدو ان لا مبررات للتصعيد السياسي السائد سوى الخلفيات الشخصية والطائفية والمذهبية وليس الحرص على تخليص البلاد مما تعانيه. انّ الساعات والايام المقبلة دقيقة جدا، الناس تموت كلّ يوم وهي حيّة ،وقلقها على المصير يكبر كلّ يوم وهي تكابر، والشباب يكبرون عشرات السنين كلّ يوم، وعيونهم على ما وراء البحار واسرار البحار وقلوبهم على برّ لم يعد آمنا. لكنّ الامل المعقود على ما سوف تحمله المرحلة المقبلة يحتاج الى العمل ليل نهار، دبلوماسيا وامنيا وخدماتيا، بعيدا من الاطلالات والاستعراضات الاعلاميةالتي ألفناها على مدى عقود، ولم تنتج سوى مزيد من اللهو وتضييع الوقت والمعاناة لسائر اللبنانيين شبعنا ثرثرة ووعودا على شاشات حوّلوها الى اذاعات بالصورة ولم تعد تؤثر بالناس كما كانت في الماضي.