شبح التوطين ليس مزحة: لبنان سيقاوم الضغط

جوزف القصيفي

ما من مرة كان شبح التوطين ماثلا في لبنان والمنطقة،كما هو ماثل حاليا. وإن هناك مؤشرات كثيرة تدل الى ذلك، منها تقليص خدمات ” الاونروا” في فلسطين المحتلة وفي لبنان، وسائر دول الشتات، على مستوى التعليم حيث يقتصر الأمر على التدريس فقط،بعدما كانت الوكالة توفر لكل طالب فلسطيني كل المستلزمات ” اللوجستية” من حقائب مدرسية وقرطاسية، ونقل. كما تم دمج الصفوف التي تعاني أصلا من الاكتظاظ. والمقلق أن تقدير أرقام الفلسطينيين في لبنان تدرج من 174,400 وفق دراسة إحصائية وضعت بتمويل ياباني، ثم ارتفع العدد أخيرا إلى 250 الفا، فيما عاد الحديث عن 490,201 الف لاجيء، وهو العدد الذي كان متداولا عشية الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982. وبالفعل ومع انتقال المقر الرسمي لمنظمة التحرير إلى تونس على أثر الاجتياح، وعودة آلاف العائلات إلى غزة والضفة بعد إتفاق أوسلو، تناقص عدد الفلسطينيين، من دون أن ننسى أن عددا من البلدان الاسكندنافية، ودولا أخرى غربية فتحت ابواب الهجرة أمامهم واستوعبت الكثيرين منهم. وتقول جهات فلسطينية واسعة الاطلاع أن دولا عدة في المنطقة تتعرض لضغط دولي، وخصوصا من الولايات المتحدة الاميركية، من أجل توطين الفلسطينيين. فعندما طرح الرقم 174,400،راجت معلومات أن الهدف من هذا التركيز عليه هو تسهيل توطين اصحابه،تمهيدا لتجنيسهم مقابل تعويضات مالية كبيرة. وفي اعتقاد أصحاب هذا الرأي أن العدد يمكن أن ” يبلع” وأن تكون عملية التوطين أسهل،وأن المبلغ المرصد لهذه العملية يساعد لبنان على حل الكثير من أزماته الاقتصادية. وثمة من يروج اليوم للعدد الأساس الذي كان رائجا قبل حزيران 1982، معتبرا أن التوطين أصبح قدرا لا مفر منه،وأن حجم الاعداد المطلوب توطينهم يزيد فاتورة التعويض اضعافا مضاعفة. وبات واضحا أن ثمة مشروعا خطيرا يعد للمنطقة تقوده إدارة الرئيس دونالد ترامب وتضطلع فيه إسرائيل بدور محوري، وهو يقوم على تهجير فلسطينيي غزة والضفة الغربية إلى كل من مصر والاردن والمملكة العربية السعودية،والدفع في اتجاه ابقائهم حيث هم في لبنان وسوريا وسائر دول الشتات، واسقاط حق العودة قانونيا وعمليا. ويسعى الرئيس ترامب إلى الضغط على كل من القاهرة وعمان على القبول بهذا الخيار. وهذا ما سيظهر في الأيام القليلة المقبلة لدى استقباله الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبدالله. ولكن هذا التوجه يصطدم برفض قاطع زاده موقف الرياض صلابة، فلا مصر ولا الاردن، ولا لبنان، ولا السعودية سيرتضون بترحيل الفلسطينيين بالغا ما بلغت الأثمان. ولكن السؤال الذي يطرح: إلى أي مدى ستتمكن الدول العربية المعنية والمستهدفة من الثبات في وجه هذا المخطط الجهنمي. وفي هذا السياق يرفض الفلسطينيون إطلاقا أي حديث عن التوطين، فمثلا أعلنت ” حركة حماس” أي عملية تملص من قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 194/48، القاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الام،لأن في ذلك إنهاء للقضية الفلسطينية وطي صفحة الحديث عن حل الدولتين الذي جعلت المملكة العربية السعودية من تطبيقه اساس أي سلم مع الدولة العبرية .حتى آلان هناك سد عربي في وجه خطة وأد القضية الفلسطينية في رمال المصالح الدولية والاقليمية، والمراهنة هي على القدرة على دفع الضغوط الناشطة.فالقصة أبعد من ضغوط. إنها تتصل بخطة أميركية لتحصين أمن اسرائيل وتوفير مقومات استمرارها كيانا غاصبا، ولتوسيع قاعدة الاقتصاد الأميركي بمده إلى مناطق أخرى في العالم،ولاسيما غزه التي يزخر بحرها بثروة هائلة من الغاز العائم السهل الاستخراج. إن محورا عربيا قيامه مصر والاردن والسعودية وحد موقفه من خلال رفض خطة ترامب بالترانسفير، وأن البيان الرسمي الصادر عن الرياض كان واضحا ومهما بالنسبة إلى هذا الموضوع. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين وعلى الرغم من علامات الاستفهام حول خطوة السلطة في ” رام الله” بوقف رواتب الجرحى والأسرى وذوي الشهداء وخلفياته،فإن هناك إجماعا بالتمسك بحق العودة،ورفض التخلي عنه، وأن التنظيمات الفلسطينية على إختلافها متفقة على هذا الشأن،سواء من كان منها داخل منظمة التحرير أو خارجها. أما في ما خص لبنان،فإن هناك إجماعا على رفض التوطين على المستوى الرسمي والسياسي والشعبي، يتلاقى مع الإجماع الفلسطيني في مخيمات لبنان،وذلك للأسباب آلاتية: أ- الحفاظ على حق العودة. ب- عدم قدرة لبنان على تحمل أعباء التوطين ديموغرافيا واقتصادية. ج- الالتزام بما نص عليه الدستور اللبناني لجهة رفض التقسيم. وإن رئيس الجمهورية جوزف عون ليس في وارد النقاش بهذا الموضوع على الإطلاق والرضوخ لأي ضغط للسير في ما يرفضه هو رفضا قاطعا،ويتفق اللبنانيون على عدم رفض مجرد البحث فيه والنقاش حوله مهما كانت التكلفة. وفي خلاصة القول: إن طرح التوطين هو أكثر من جاد، وليس ” مزحة” .لكنه سيكون صعب التحقيق ولو بلغ الضغط اشده.