لروح والدي: الله أكبَر!

لروح والدي: الله أكبَر!

هذا البناء المهجور، في #الحدث على طريق صيدا القديمة، كان يوماً مصنعاً للرخام والبلاط للمرحوم والدي، مِن أبرز المصانع في لبنان والدول العربية خلال الستينات والسبعينات والثمانينات، رمزاً للعمل الجاد والنجاح. لكن في العام ١٩٩٠، اجتاحه #الجيش_السوري واحتلّه بعد دخولهم إلى ما كان يُعرف بـ “المنطقة الحرّة”، مِن جملة الأماكن التي احتلوها في منطقة الحدث والجوار.

تحوّل المصنع سريعاً إلى ثكنة عسكرية سورية بعد أن نهبوا كل شيء: المعدات الثقيلة، المخازن، وكل ما بُني بجهد السنين، فقضوا على مصدر رزق والدي الوحيد، الذي شيّده بكفاح دام أكثر مِن ثلاثين عاماً، وحوّلوا إمبراطوريته إلى مقر للاحتلال.

أذكر جيداً – وأنا طفل صغير – مشاهد سوريالية لن أنساها: كان الضابط السوري المسؤول يزور منزلنا مِن حين إلى آخر، ويأخذ والدي مرغماً إلى المصنع. هناك، كان يجلس على مكتب والدي السابق، متعمداً استفزازه، ويجبره على الجلوس قبالته. ثم يملي على والدي أوامره الوقحة، طالباً القيام بأعمال الصيانة للمبنى، مِن الصحيّة والكهرباء وتسديد بعض الفواتير، لتأمين راحة جنود #النظام_السوري الذين نهبوا رزقه واستباحوا المصنع.

في كل مرة، بعد هذه المشاوير القاسية، كان والدي يعود إلى المنزل مكسور الخاطر، يحاول جاهداً إخفاء دموعه أمامنا. للأسف، كان يلبّي طلباتهم الجائرة مرغماً، خوفاً علينا وعلى سلامة العائلة، رغم الضائقة المالية التي سببها فقدان المصنع. وفي الأيام التي كان يتأخر فيها عن تنفيذ تلك الرغبات-الأوامر، كانت أرتال الجنود السوريين تحاصر منزلنا في الحدث، تمارس الضغط والإذلال عليه بلا رحمة.

ورغم رحيلهم عن المصنع بعد سنوات طويلة مِن الاحتلال، تركوا وراءهم جرحاً لا يندمل…مات والدي وفي قلبه حسرة وغصّة على ما حلّ بثمرة عمره وكفاحه.

عدتُ اليوم إلى هذا البناء – الذي أصبح أطلالاً – بعد سنوات طويلة مِن الغياب…وقفت في المكان الذي شهد عرق والدي ودموعه وكل الظلم الكبير الذي لحق به، فلم أجد سوى كلمات واحدة لأصرخ بها لروحه: الله أكبر!

الحدث، في ٢٠٢٤/١٢/٨

عصام الخوري