فادي مرتينوس
مِنَ المِخْرَز الى المِسلّة
جورج كريم – الروابط
في التوطئة ، أخبرني جدّي ذات يوم أنه من الأجدى قطع لوح الثلج وقسمته بالمخرز الرفيع وليس باي شيءٍ صلبٍ آخر ، حيث يتم التقطيع بهدوء ودون خسارة اي جزء منه . وهكذا تمكن فادي مرتينوس من قطع لوح الجليد في الانتخابات البلدية في قرطبا بالمخرز الرفيع من صنعته، وكذلك في المثابرة على رفض الإقصاء ، والعمل بالتخطيط ثم التنفيذ لكسب المعركة ، فحقق فوزا باهرا دون أن يخسر اي جزء من لائحته .
وايضا ، لما كنت صبياً ، كنت أشاهد جدتي على كرسيها في المسائيات ، تحوك بمسلة رفيعة معكوفة الرأس خيوطا ملونة ، حتى إذا غبتُ عنها شهرا وعدتُ إليها رأيتها قد أنجزت شرشفا رائعا بمربعاته ورسومه يسمونه ” كروشيه “، وهو ثمرة جهد يدوي دؤوب ويشكل تحفة فنية في لوحة تأخذ بالإعجاب والألباب .
وهكذا كان فادي مرتينوس في انتخابات بلدية قرطبا ، فقد راح ينظم المعركة مع الناخبين والناخبات ، ويحوك تفاصيلها ، ويجمع خيوط لائحته في مربعات متكاملة متضامنة متآلفة بألوان اعضائها العائلية والسياسية والتمثيلية والكفاءتية ، حتى إذا حل موعد الاقتراع بعد شهر من بدئه العمل ، حقق في الرابع من أيار نصرا ساحقا ما كان ليراه غير ” المبصرين ” والعارفين بألوان خيوط المعركة كما كانت جدتي خبيرة بحياكة شرشف ” الكروشيه “.
ولم يكن غريبا ما حملته أقلام الإقتراع المخصصة للنساء من نسبة عالية في الإقبال ، وما ناله منها المرشح فادي مرتينوس من نسبة عالية جدا من التصويت للائحته . ذاك أنه في علم الاجتماع الانتخابي ، تخضع المفاضلة في كل اختيار لمعايير عامة وخاصة ، فاذا ما رجحت كفة الخاص على العام فقد الاختيار الكثير من مصداقيته . ولأن المرأة في تقييمها لعمل الرجال ووصف صفاتهم هي أقدر من الرجل لنعمة خصها بها الخالق من رجحان عقل ورصانة فكر وشجاعة قول وقرار اختيار ، فقد جاء اختيارها في انتخابات بلدية قرطبا الى جانب ما اراده فادي مرتينوس تقديرا واضحا لأنجازاته في مسؤولياته البلدية واتحاد بلديات قضاء جبيل . من هنا نال فادي مرتينوس اكثرية أصوات الناخبات بشكل واضح وصريح ، لأن الناخبة القرطباوية لم تدخل الى زواريب حسابات الرجال من العملية الانتخابية إلا من زاوية المصلحة العامة اولا والوفاء ثانيا فجمعت بينهما كما جمعت بين رجاحة العقل وصدق القلب ، وكان خيارها هو الأصوب ..
فادي مرتينوس بين المخرز والمسلة في انتخابات بلدية قرطبا حقق نجاحا مبينا لكامل لائحته بسبب التأييد العارم الذي لقيه من اهل بلدته الأوفياء في ردهم على مؤامرة إقصائه لإخراجه من عملية الزعامة الإنمائية ليس في قرطبا فقط بل في الجرد الجنوبي كله ، وربما من كل قضاء جبيل . فكان شجاعا بثباته ، مقداما بتخطيطه ، محنكا باستنهاض محبة القرطباويين له في صناديق الإقتراع .
فادي مرتينوس استعمل الديبلوماسية الناعمة الهادئة في مسارها والقوية بنتائجها .
بقي على دفء لسانه متحصنا بإيمانه، حافظا لاتزانه ولكنه صارم بعنفوانه .
في انتخابات قرطبا عادت الأوراق العائلية تحتمي بالأغصان الصغيرة ومنها إلى الكبيرة ومنهما الى الجذع فإلى الشروش المتجذرة بأرض قرطبا، وعاد الكلام في العشايا عن زنود الأوائل من صنّاعها وقد أعلو قبابها والريح تضرب والصقيع يصفع والحر يلفح والعطش يطفح فأصاب فادي مرتينوس من بحر “العائليات” صيداً ثمينا وغلالاً وفيرة .
فادي مرتينوس الهادئ بطبعه والكريم بنفسه والمحب بقلبه والقرطباوي بجذره والجبيلي بانتمائه والوطني بموقفه جنى غلال ما بذر وقطف ثمار ما زرع ، ولا يضيع جميل أينما زُرِعَ …