جوزف القصيفي
بعد أن تنال الحكومة ثقة المجلس النيابي ستنصرف حتما إلى تنفيذ برنامج عملها الذي يرتكز إلى البيان الوزاري الذي ستنال على أساسه ثقة المجلس. بعد ذلك ستكون البلاد أمام استحقاقين مفصليين سيستحوذان على إهتمام الاحزاب والتيارات والقوى السياسية وهما : الانتخابات البلدية التي ستنتج سلطة محلية جديدة، والانتخابات النيابية التي ستنتج سلطة تشريعية خلفا للمجلس الحالي. واذا كانت الاعتبارات العائلية السمة الغالبة للانتخابات البلدية في البلدات والقرى ،خلا المدن الكبرى التي عادة ما تكون الاحزاب والتيارات والقوى ماثلة فيها بقوة، فإن الانتخابات النيابية هي سياسية بامتياز،وعلى نتائجها تبنى خيارات الدولة ومستقبلها على غير صعيد ومجال. من هنا تتبدى أهمية القانون الجديد للانتخابات. وفي الكواليس حديث كثير حول هوية هذا القانون ووظيفته: هل لا يزال القانون الحالي الذي يعتمد النسبية على قاعدة الصوت التفضيلي الواحد صالحا ، أو يصار إلى التفتيش عن قانون آخر يحافظ على المناصفة ويؤمن صحة التمثيل؟ في المعلومات أن هناك قوى سياسية وازنة ترفض استمرار العمل بالقانون الحالي لأنه ” محير” بين النسبية والاكثرية، وينقل الحرب إلى داخل اللوائح والتنافس إلى مربع الحلفاء ،ويعزز سيطرة الاحزاب ورأس المال. في حين ترى قوى أخرى أن مثل هذا القانون ينتج حالات تطرف طائفية ومذهبية، وتقسم المجتمعات المتجانسة دينيا عاموديا،مما يولد حالات من عدم الاستقرار السياسي، وفي بعض الأحيان توترات ذات طابع مذهبي” تكربج”البلاد. ولن يطول الأمر حتى تبرز أصوات رافضة لهذا القانون تباعا،ما يفتح الباب أمام سجالات سياسية كبرى. ” القوات اللبنانية” و” التيار الوطني الحر” يتمسكان بالقانون الحالي ويرفضون تغييره لانه يعزز سيطرتهما السياسية على الوسط المسيحي واذا كان موقف ” الكتائب” غير محسوم لجهة تأييد هذا القانون أو الدعوة إلى تغييره،وكذلك ” تيار المردة”،فإن ثمة قوى مسيحية من خارج الاصطفاف الحزبي ترى وجوب التفتيش عن صيغة قانون لا يلغي المستقلين، ويحفظ للزعامات المحلية وجودها. ويتوقع أن تدافع “القوات” بالاتفاق العلني أو غير المباشر مع “التيار ” عن القانون ” التفضيلي”، في حين تسود الاوساط المسيحية قناعة بأن القانون الارثوذكسي كان هو الأنسب لأنه يعتمد النسبية على مستوى المحافظات اللبنانية جميعها ويضمن صحة التمثيل المسيحي. والأمر نفسه على صعيد الطوائف الإسلامية، ما يسمح بإقامة جبهات سياسية قائمة على تحالفات واضحة بين المسلمين والمسيحيين. وفي تاريخ لبنان الحديث كانت هناك تجارب مماثلة من خلال ثنائية الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية اللتين تقاسمتا الحياة السياسية منذ عهد الانتداب إلى النصف الأول من خمسينيات القرن المنصرم. ومن الواضح أن الثنائي الشيعي الذي لم يزعجه القانون المعمول به، ولم يتمكن من نزع سيطرته وحيازته على 27 نائبا من أصل 27،سيكون منفتحا على اي بحث من دون أن يقدم اي مقترح، علما بأن موقفه من قانون الانتخاب مبدئي واضح، وهو لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية،فيما هو جاهز لخوض الانتخابات وفق اي قانون يتم التوافق عليه. أما الحزب التقدمي الاشتراكي،فلم يحبذ القانون الحالي رغم خوضه الانتخابات في ظله وحصده اكثرية المقاعد النيابية العائدة لطائفة الموحدين الدروز. أما بالنسبة إلى القوى السنية، فهي لن تنتحب اذا إنتهت صلاحية القانون الحالي. لكن ما هي الخيارات البديلة عن هذا القانون، وهل هناك متسع من الوقت لصوغ قانون جديد؟ في الواقع هناك العديد من الطروحات: أ- لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي. – لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية وضمن المناصفة. – لبنان دائرة انتخابية واحدة تعتمد النسبية على أن تنتخب كل طائفة ممثليها. – اعتماد صيغة: ناخب واحد صوت واحد(ONE MAN ,ONE VOTE). – اعتماد صيغة الدائرة الفردية المصغرة. لا شك أن هناك اتجاها لتغيير قانون الانتخابات الحالي، لكن الوقت المتبقي لن يسمح لقانون جديد بابصار النور،بسبب ما سيرافقه من تجاذبات ساسية، وسجالات دستورية، ودراسات ودراسات مضادة، وحملات من قوى المجتمع المدني، وكان الحري أن يبدأ النقاش حوله منذ سنتين على الاقل. إلا أنه يجب الاعتراف أن القانون ” التفضيلي” لم يعد يلقى تأييدا واسعا بعد تجربته في انتخابات العام 2018والعام 2022، وكشف العديد من الثغر التي تعتوره. ولكن دفاع ” القوات” و” التيار” عنه،قد يكون شرسا لاعتقادهما انه وفر الحد الأقصى من التمثيل الصحيح للمسيحيين،وقد يكون في هذا الاعتقاد شيء من الصحة، لكن القانون مشوب بعيوب كثيرة. وعلم أن ثمة حلولا وسطى يجري التداول بها مدعومة من مرجعيات كبيرة ،وهي إعتماد صيغة الصوتين التفضيليين موقتا، ريثما يبدأ العمل على وضع قانون جديد للانتخابات يضمن شمولية التمثيل وصحته ووطنيته في آن. ” ولعت” الانتخابات و”سيطير غبارها” ولن يكون هناك من يطفيء نارها الا النتائج وما تفرزه من واقع سياسي جديد ستترتب عليه مقاربات مختلفة عن تلك التي نعيش تحت ظلالها.