رسائل “مرجانة” العاجلة تغزُو الحدود.. هل تنّسحب إسرائيل الثلاثاء؟


محمّد حميّة

على مسافة أسبوع من نهاية المُهلة الممددة يكتنف الغموض الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، في ظل غياب موقف أميركي رسمي واضح من الإدارة الأميركية الجديدة بإلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل الثلاثاء المقبل، بعدما كشفت وسائل إعلام غربية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بن يمين نتانياهو طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمديد بقاء قواته عشرة أيام إضافية لضرورات أمنية بعدما سبق وطلب الأمر نفسه وناله.
فهل يستجيب ترامب لـ”صديقه” نتانياهو هذه المرة؟
ثمّة رؤيتين لمقاربة هذه الأمر: الأولى تنطلق بأن جيش الإحتلال مصرٌ على البقاء في الجنوب للأسباب التالية:
*الاحتفاظ بخمسة مرتفعات حاكمة لأسباب أمنية – استراتيجية كونها تشرف على كل الجنوب لا سيما القطاع الشرقي الأكثر التصاقاً بالمستوطنات الاسرائيلية، وتشكل امتداداً حيوياً وجغرافياً للجولان السوري المحتل وقمة جبل الشيخ لتكتمل النافذة الاستراتيجية الإسرائيلية المطلة على أربعة دول عربية لبنان وسوريا وفلسطين والأردن.
*لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية استيعاب تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من غزة وجنوب لبنان في آنٍ معاً، الأمر الذي يُرتب تداعيات كبرى على الجبهة الداخلية في إسرائيل، الذي يشاهد صورة الصمود على شاشات التلفزة في غزة وجنوب لبنان رغم عام ونصف من الإبادة والتدمير ومحاولات التهجير، ما أجبر إسرائيل الى قبول معادلة التساكن مع حركات المقاومة في غزة ولبنان، لذلك تستمهل الحكومة الإسرائيلية بعض الوقت لتتجاوز تداعيات تنفيذ مراحل الاتفاق في غزة من ثم تبدأ التطبيق في لبنان.
*على الرغم مما يصفه الاسرائيليون بـ”الإنجازات” التاريخية في لبنان باغتيال أركان قيادة حزب الله، إلا أن هناك مناخ في حكومة “تل أبيب” يعتبر أن الحرب فشلت بالقضاء على الحزب وهو قادر على ترميم جبهته ومراكمة عناصر القوة من جديد ويعود بعد سنوات ليهدد أمن إسرائيل كما حصل بعد حرب تموز 2006، ويتلاقى هذا الاعتقاد مع عدم اقتناع مستوّطني الشمال بالضمانات الأمنية التي تقدمها حكومتهم للعودة وهذا ما يعبر عنه رؤساء أقاليم المستوطنات بشكلٍ واضح ومستمر.
*الأهم هو أن البقاء في الجنوب مصلحة استراتيجية إسرائيلية وفق منظور مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي لا يزال نتانياهو يجاهر بالعمل على استكمال تنفيذ فصوله، وتأكيده أمس بأن الحرب لم تنتهِ، وهذا المشروع بدأ بتدمير غزة ومحاولة تهجير أهلها وتهجير أهل الجنوب اللبناني وإسقاط النظام في سوريا واحتلال جنوبها وصولاً الى العاصمة دمشق واستهداف العراق واليمن وصولاً الى ضرب إيران.
أما الرؤية الثانية فتسّتند الى الأسباب التالية:
*قرار ترامب بإنهاء الحرب في المنطقة وتطبيق اتفاقي وقف إطلاق النار في غزة ولبنان كإنجاز للإدارتين الحالية والسابقة ولا يمكن والاطاحة بهما العودة الى الحرب.
*تكون قناعة أميركية مع كبار الخبراء العسكريين الاسرائيليين بعدم قدرة إسرائيل جيشاً وجبهة داخلية على إكمال حروب الاستنزاف في المنطقة، ما يُهدد بالتفكك الداخلي للكيان بعد سنوات قليلة.
*رفض الدولة اللبنانية بكافة أركانها استمرار الاحتلال، وسط تحذيرات نقلها مسؤولون لبنانيون لواشنطن بأن استمرار احتلال القوات الإسرائيلية لجزء من الجنوب سيُشرع العمل الشعبي والعسكري المقاوم، ما يحرج الدولة والحكومة العتيدة ويشكل نكسة للعهد الجديد.
*تحديد الحكومة الإسرائيلية الأول من آذار للبدء بإعادة المستوطنين الى الشمال، وبالتالي عودة الحرب لن يُمكِنها من تحقيق ذلك، بل سيحصل عمليات تهجير جديدة من الشمال ويعيد إحياء جبهة اليمن أيضاً.
لم تكن زيارة المندوبة الأميركية الى لبنان مورغان أورتاغوس الى لبنان مُجرد زيارة بروتوكولية للتعارف، ولا كانت مواقفها مجرد تعبير عن إيديلولوجيا كونها صديقة لـ”إسرائيل” ولا زلّة لسان أو خطأ دبلوماسي، بل كانت الزيارة الأهم لمسؤول أميركي في ظل الإدارة الجديدة ومواقفها تعبير عن توجه إدارتها ووزارة خارجيتها بهدف تكريس موازين القوى الجديدة التي أفرزتها الحرب في المنطقة طيلة العام الماضي.. غير أن زيارة “المرجانة” حملت في طياتها رسائل ثلاثية الأبعاد:
*سياسية من بيروت: تصريحاتها من على منبر القصر الجمهوري في بعبدا بهزيمة حزب الله وشكر إسرائيل على ذلك، والإيحاء بأن الحزب لم يتمثل في الحكومة، محاولة تظهير موازين القوى السياسية الجديدة كترجمة لمزازين القوى العسكرية الجديدة في لبنان والمنطقة، وأن نفوذ الولايات المتحدة على الموقع الأول في الدولة وعلى العهد الرئاسي تعاظم كثيراً خلافاً للعهود الماضية.
*أمنية – عسكرية من الجنوب: تظهير بأن الحرب الإسرائيلية على حزب الله حققت أهدافها، فالموفدة الأميركية تسرح وتمرح في الجنوب وأن الجيش اللبناني يسيطر على جنوب الليطاني ويصادر صواريخ وأسلحة الحزب التي باتت تحت المجهر الأميركي عبر اللجنة الخماسية برئاسة الجنرال الأميركي في الناقورة، وبالتالي لم يعد البقاء العسكري الإسرائيلي في الجنوب ضرورة.
*جيوبوليتيكية: انتقال المندوبة الأميركية إلى “تل أبيب” عبر الحدود اللبنانية – الفلسطينية بمثابة رسالة عابرة للحدود تعكس التغير الجيوبوليتيكي في المنطقة يتماهى مع الحديث عن مشروع السلام الأميركي للمنطقة وإلحاق سوريا ولبنان فيه بعد السعودية.
تقصّدت الموفدة الأميركية نقل رسائل إدارتها الى بيروت ومنها الى الداخل الإسرائيلي السياسي والرأي العام لتمهيد الطريق أمام الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وإزالة الخطر من الجبهة اللبنانية على أمن إسرائيل.
ولم يكُن محضُ صدفة إعلان ولادة الحكومة اللبنانية قبيل عشرة أيام من موعد الانسحاب الإسرائيلي في 18 الجاري، لتكون ضمانة أميركية إضافية لكيان الاحتلال بأن هناك سلطة شرعية مكتملة المواصفات لضبط الحدود الجنوبية والشرقية مع سوريا وضمان تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية ذات الصلة، ما يدفع أميركا لاقناع إسرائيل بالانسحاب الكامل. ويتقاطع ذلك مع تقدير جهات غربية لـ”الجمهورية” بانسحاب القوات الإسرائيلية في الموعد المحدد، لوجود قرار أميركي – فرنسي بوقف الحرب وتطبيق القرارات الدولية عبر الحكومة اللبنانية. ويبقى أن إسرائيل ستتمسك وفق الجهات بحرية الحركة الجوية الإسرائيلية باستهداف مواقع أو تحركات عسكرية تابعة لحزب الله لضمان عدم ترميم نفسه، حتى تتمكن الدولة اللبنانية من حل مسألة سلاح الحزب خارج شمال الليطاني، وما الاعتداءات الجوية في الجنوب والبقاع في الأيام الماضية إلا تكريس لهذه المعادلة ما بعد 18 شباط الجاري.