صباح الخير وأحد مبارك الإنجيل بحسب القديس يوحنا.. عيد مار مارون


يو ١٢ / ٢٣ – ٣٠
فأجابَهُما يسوع قائلًا: “لقد حانَتِ السّاعةُ لكي يُمَجَّدَ اِبنُ الإنسان. الحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم: إنَّ حبّةِ الحنطَةِ، إن لمْ تقعْ في الأرض وتمُت، تبقى واحدة. وإن ماتتْ تأتي بثمرٍ كثير.
مَن يُحبُّ نفسَهُ يَفقِدُها، ومَن يُبغِضُها في هذا العالَم يحفَظُها لحياة أبديّة. مَن يخدُمني فليتبَعني، وحيثُ أكونُ أنا، فهُناكَ يكونُ أيضًا خادمي. مَن يخدمني يُكَرّمُهُ الآب.
نفسي الآن مُضطَّربة، فماذا أقول؟ يا أبتِ، نجِّني من هذه السّاعة؟ ولكنْ من أجلِ هذا بلغتُ إلى هذه السّاعة!
“يا أبتِ مجّدِ اسمَكَ”، فجاءَ صوتٌ من السّماءِ يقول: “قد مَجَّدْتُ، وسأُمجّد”.
وسَمعَ الجمْعُ الحاضرُ فقالوا: “إنّهُ رعد”. وقال آخرون: “إنّ ملاكًا خاطبَهُ”.
أجابَ يسوع وقال: “ما كانَ هذا الصّوتُ مِن أجلي، بل مِن أجلِكُم.”

يا رب ها نحن نقترب الآن من ساعة آلامك. تلك الساعة التي تسمّيها ساعتك. وقد استولَت الحماسة والبهجة على الجُموع لرؤية المعجزات التي أنجزتَها، ذُهِلَ بعض اليونانيّين الأتقياء الذين صعدوا من أورشليم إلى العيد، لما يقال عنك. وكانوا يرغبون في أن يلتقوا بك. هل لِمُجرَّدِ حُبِّ الفضول؟ هل لديهم الرغبة ليثابروا في سَعْيِهم، ويُرَسِّخوا إيمانهم بك؟ إنّهم يُذكِّرونَني بالمجوس، الذين قدموا من بعيد لرؤيتك، بينما بدت السلطات الدينيّة لشعبك مرتابة ومتردّدة.
إني أتساءل: هل لدينا الحماسة الكافية في مُمارسة إيماننا، لتعدّي الآخرين برغبة التّعرُّف إليك؟ هل نُشِعُّ فرحًا لانتمائنا إليك؟ هل نحن فعلاً مسيحيّون إلى حد لا ندَعُ مَن لم تسنَح لهم الفرص بلقاء تلاميذك، أن يستمرّوا غير مبالين؟
كلُّ إنسانٍ يسعى إلى معرفةِ الحقيقة. كلُّ إنسانٍ يسعى إلى نيلِ السعادة. كلُّ إنسانٍ بدون علمٍ منه، يرغب في أن يلتقي بك.
لقد حان الوقت كي تبوحَ بأسرارِكَ الأخيرة. ومنذ الآن تُظهر نفسك للجميع، إنّ زمن المقابلات الخاصّة والإعلان على انفراد قد انتهى .
بعد بضعة أيّام، سوف تُمَجَّد على الصليب الذي سَيَجذب كل الأنظار، هل هو مُخزي وعار؟ هل هو سِرّ؟ في مُطلق الأحوال، إنّ الطريقة التي اتَّخَذها الله لِيُظهِرَ محبّته لنا، هي غير متوقّعة ويتعذّر تصوّرها، إنّه يُقدِّمُك ذبيحةً عنّا، يَهَبنا إيّاك، ” أنت ابنه الحبيب ” لتتوفّر الحياة التي لا تفنى لكلٍّ منّا ،
أنت ابن الله الأزلي، بموتك على الصليب، ستمنحنا النعمة الخارقة بأن نصبح أبناء الله : “انظروا كم هي عظيمة المحبة التي أنعم بها الله علينا : لقد أراد أن نُدعى أبناء الله، ونحن كذلك”.
و كعادتك، تأخذ مثلاً من الطبيعة لِتَلِجَ بنا بسهولة إلى عُمقِ سِرِّكَ. “إِنَّ حَبَّةَ الحنطة التي تقع في الأرض، يجب أن تَموت لتعطي ثمارًا.” ومن موتك سوف يولد شعبٌ جديد:” كنيستك” .
ولكن ما هو مُقدَّر لِلمُعلِّم هو مُقدَّر للتلميذ أيضًا وإن كنتَ ساويتَ نفسك بالعبدِ المتألِّم الذي وصفه أشعيا، ألم تُثبِت ذلك: “ما كان الخادمُ أعظَمَ من سيِّدِه (يوحنا ١٦/١٣)
لكي نستحقَّكَ علينا أن نَسُلَك الطريق ذاته. وربّما لن يكون الصليب كما أنت حملته، إلا لبعض الذين ميَّزتَهُم بحبِّك، مَنْ منَحْتَهم نعمة السّير على دربك حتى الشهادة. ولكن كلٌّ منّا مَدعو لأن يُظهِرَ أمانَته عَبْرَ سِرّ صليبك. ألن تقول: “من أراد أن يتبعني، فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني “؟
أنت تكشف لنا ما سوف تُعانيه، وتدعونا ألّا نعتبر حياتنا كقيمة سامية، ولكن كمسيرة على خُطاك. تُريد أن تعطي حياتنا معناها الحقيقي. بتعلّّقِنا بك، والسّير على خُطاك، نتحرَّرُ من أنانيّتنا، من خوفنا من العَوَز ، من غرورنا، من حَسَدِنا ومن يأسنا.
إن تجرّدنا من حياةٍ مادّيّة طاغية، أحْسَنّا سماع صوتك في أعماق قلبنا، وأدركنا أنّك واقِفٌ على الباب، تنتظر أن نفتَحَ لك لِتَمكُثَ فينا وتجعَلنا سُكناك.
أنت الإله الحق والإنسان الحق معاً، تضطَّرِب نفسك وتنفعل، تتأثَّر وترتَجِف لِرقَّة قلبك اللّامتناهية، وأنت تشمل بنظرِك كُلّ الذين سيتبعونك حتى النهاية على درب الألم، أنت ترى أمّك العذراء مريم ورُسُلَك، ترى كنيستك عبر القديسين والشهداء، الذين سيتبعونك حتى نهاية الأزمنة. وترى كذلك كل الذين يرفضون مذلّة المرورِ عَبْرَ الصليب معك، ويُضِلُّون أنفسهم .
تتدخّل السّماء كما لدى معموديَّتك أو تجَلّيك على الجبل. يدعونا أبوك لأن نَثِقَ بك. فنحن معك في أمان.
أمّا الذي يُفرِّقُ وهو أبو الكذب، فلا يملك أي سلطة علينا. لقد انهزم “رئيس هذا العالم” حتى ولو كان طغيانه ما زال يُمارَس علينا، طالما يجد له أنصارًا. ولكن سوف يُطرح “وبالنسبة إليك لقد طُرِح خارجًا في الظلمات”. إنَّ انهزام الشيطان أمرٌ حَتمي، وعلامة هذا الانتصار هي صليبك.
لِنُصَلِّ:
يا رب، إجعلني أهلاً لنظرتك! أنا مسيحي. لهذه الكلمة جَذْرٌ مشترك في اللغة الفرنسية (Christ et Croix). ساعدني لِأستَمِرَّ معك، بالرُّغمِ من ضعفي، وحتى في قلب المحن. ساعدني لأكونَ بك ومن أجلِكَ، مُخلِصًا على الدوام. آمين.
تأمّلات روحيّة من كتاب الإنجيل في صلاة للأب منصور لبكي.