“حقائب بقشطة وحقائب بكعك قرشلّي”

سعيد غريّب

  لم يكد اللبنانيون يلتقطون انفاسهم بعد حتى هبّت عليهم مجددا رياح الصراع على الحصص الحكومية فحرّكت المياه الراكدة واعادت المشهد الى ما كان عليه، وكأنّ شيئا لم يكن. فصح فينا قول المثل ان “حليمة رجعت الى عادتها القديمة”. وكأنّنا في دائرة تعيد انتاج نفسها لا نفارقها مهما فعلنا ومهما حصل. ففيما كنا ننتظر ولادة الحكومة بعدما عزز الاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا الآمال، خرج الرئيس بري من الباب الخلفي وعبر الرئيس المكلف سلام امام الصحافيين  بلا كلام ولا سلام. فقط “ماشي الحال، مش ماشي الحال”.   بعد حرب مدمّرة خفتت نيرانها واستحقاق رئاسي عبر أخيرا الى خواتيمه وحركة تأليف بعد تكليف يبدو أن مياه الخلافات الراكدة تغمر المشهد السياسي القائم. وتعيد طرح الاشكاليات القائمة حول الممارسة السياسية للحكم والاحزاب والطوائف والجماهير التي يحركها جميعها الخوف من الآخر وتحفّزها المصالح والحصص والطموح الى المال والنفوذ، ما انعكس فسادا وافسادا غزا حياة الناس وادى الى افول نجم الدولة حتى غرق الجميع في انعدام القيم.     هل من قيمة بعد للحكومات بعدما شلعت وافرزت حقائب بقشطة وحقائب بكعك قرشلّي ؟ ماذا يقصدون بوزارة سيادية ووزارة اساسية ووزارة خدماتية ووزارة وازنة ووزارة عادية ووزارة لا لزوم لها؟ ماذا يعني هذا الفرز سوى السعي الى الفساد والافساد من بابه العالي والتسابق المبكر والمضمون الى الانتخابات النيابية المقبلة.   أي افق يمكن أن نراه في عالم متحوّل يسعى الى ضم دول واراض وتغيير خرائط ونقل شعوب من اوطانها، فيما اللعب من فوق الطاولة ومن تحتها، ونوافذ البلد مشرّعة على الوصايات من هنا وهناك ،في حين أنّنا نغرق جميعنا في عدّ الوزارات والاسماء؟   هل يأخذوننا الى التطرّف في الفكر السياسي والقول : اذا اريد لبلدنا أن يبدأ بأن يصبح دولة فلا بد من حكم مستبدّوعادل في آن. هل يريدوننا أن نضيف بأن بلدا سائبا كلبنان لن يوقفه غير شخص من هذا النوع، بالاذن من الديموقراطية وترجمتها وتطبيقها ومفاعيلها؟ هل مسموح القول بانّ بلدا مملّعا كلبنان لن يعيده الى القناعة والبساطة سوى نظام قاس وعادل وربما دكتاتوري يبني دولة لأنّنا بحاجة الى دولة؟ هل نتذكّر نابليون الذي صادر الطغيان وبنى دولة، ولمّا مات، عادت الملكية ولكن دامت الدولة ومؤسساتها الى الآن؟   ولنعد الى لبنان فنطلب من رئيسي الجمهورية والحكومة أن يوقفا هذه المهزلة وهذا النزيف بتأليف حكومة تعيد الاعتبار الى كل الوزارات وجميع الوزراء، وتعيد كل وزارة الى قيمتها وانسانيتها وقوّتها في خدمة كل الناس والمواطنين، كلّ المواطنين، لا في خدمة بعض الناس وبعض المواطنين خدمة لهم ولاسيادهم عند الاستحقاقاقات. كما نطلب من الرئيسين أن يضعا حدّا لهذه الآفات التي حطّمت المواطن ودفعته الى السعي لمزيد من الاستزلام والفساد.