لبنان في مواجهة شرعنة التوطين وتثبيت النزوح!!!؟

جوزف القصيفي

في الحادي عشر من كانون الأول 1948 أصدرت الامم المتحدة قرارا حمل الرقم 194، يضمن صراحة حق عودة الفلسطينيين إلى الاراضي التي هجروا منها قبل وبعد إعلان دولة إسرائيل والتعويض عليهم. وأشارت قرارات لاحقة في متنها إلى هذا الحق، وأن منظمة التحرير الفلسطينية والتنظيمات غير المنضوية تحت لوائها، ومنها حركة “حماس” تمسكت بهذا القرار الدولي ووضعته في رأس جدول أولوياتها. وجرت محاولات كثيرة لكسر هذا القرار من جهات دولية وتل ابيب بالطبع، واستغلت أحداث دموية بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاردن، وكذلك الحرب اللبنانية في العام 1975،لامرار مشروع توطين الفلسطينيين باقامة وطن بديل لهم على أرض إحدى الدولتين. لكن رياح التصدي لهذا المشروع جرت بما لا تشتهي سفن المخططين، وظل القرار الرقم 194 قائما، ولو على الورق، كوثيقة قانونية لتثبيت حق الفلسطينيين في عودتهم إلى أرضهم من النهر إلى البحر. وقد إحتاط النواب اللبنانيون في مؤتمر الطائف 1989 لهذا الأمر، فضمنوا مقدمة الدستور، وتحديدا الفقرة (ط):”…لا تجزئة، لا تقسيم، لا توطين). هذه الثلاثية بات لها صفة الالزام، وهي تجسد وحدة الدولة وسلطتها، وتحافظ على هوية لبنان. إن سبب الحديث عن هذا الموضوع يتصل بما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي دعا إلى ” ترانسفير” فلسطيني من غزة باتجاه مصر، والى ” ترانسفير” مواز من الضفة الغربية باتجاه الاردن، وما يمثله هذا الأمر من خطر حقيقي على مستقبل المملكة واستقرارها، مع الإشارة إلى أن الضفة ولغاية حزيران 1967 كانت جزءا من الاردن وتحت حكمه، فيما لا تزال القدس تحت الوصاية الهاشمية. وتترافق حملة ترامب مع كلام عن خطة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنه يريد إجراء عملية ” تطهير” لا تبقي في فلسطين المحتلة الا العنصر اليهودي، وهذا يعني ألا يكون هناك أي فلسطيني على ارض دولته. اي ” صفر” فلسطيني. أو مجموعة صغيرة على غرار السكان الأصليين للولايات المتحدة الاميركية، أو كندا أو سواها من البلدان التي هاجرت إليها شعوب من دول استعمارية غزتها واستوطنتها عنوة. وهنا يطرح مصير فلسطينيي 1948 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في قابل الايام بعد الاطمئنان إلى نجاح خطة ” الترانسفير”، هل سيتم الابقاء عليهم، أو سيرحلهم وضمان الوجهة التي ستستقبلهم، أو سيفرض عليها استقبالهم سواء كانت عربية أو دولية؟ وفي لبنان بلغ عدد الفلسطينيين بحسب سجلات ” الاونروا” 493 ,201 لاجئا، يعيش منهم على أرضه وفق آخر إحصاء تقريبي في العام 2023 ما يلامس ال 250 الفا، وجميع هؤلاء – اي المسجلين- يحملون البطاقة الزرقاء الخاصة بالإقامة في لبنان، ووثائق سفر يستخدمونها لدى مغادرتهم إلى خارج البلاد. وتتقاطع المعلومات مع ما يتسرب من إتجاه السلطة الجديدة في سوريا إلى توطين الفلسطينيين الموجودين على ارضها، بعد سقوط مخيم ” اليرموك” ودماره خلال الحرب بين النظام السابق ومعارضيه، وهجرة اكثرية ساكنيه إلى أوروبا وبلدان أخرى، وكان نصيب لبنان منهم ثلاثين ألفا توزعوا على مخيماته. ويلاحظ أن العمل جار دوليا واقليميا على ابدال ال”ترانسفير الخشن” بما يسمى ال “ترانسفير الناعم” بفتح أبواب الهجرة للفلسطينيين وتوفير سبل” العيش” الكريم لهم في بلاد ” الدياسبورا”.وهناك عروض على جرحى حركة ” حماس” لتلقي العلاج في الخارج بصحبة أفراد من عائلاتهم، شرط عدم العودة إلى غزة. كذلك الأسرى المبعدون الذين ستسهل أمامهم فرص اللجوء والحصول على عمل. وعندما يتحدث الرئيس ترامب أن على الدولة اللبنانية أن تفرض سلطتها على جميع اراضيها بما فيها المخيمات الفلسطينية شرط إحترام الحقوق الانسانية لابنائها ،فإن كلامه يستبطن الدعوة إلى إسقاط صفة اللجؤ عنهم.
ولبنان لا يواجه خطر التوطين الفلسطيني فحسب، بل انه يواجه ما يوازيه خطرا :النزوح السوري اليه، فيما لا تلوح في الافق اي بادرة قريبة لحل الملف، ومن استمع إلى كلام رئيس” المفوضية السامية للاجئين” التابعة للامم المتحدة فيليبو غراندي يتبين له وجود عراقيل لا تساعد على عودة هؤلاء لاغراض ترتسم حولها غير علامة إستفهام.واللافت أن المفوضية وقفت بشدة في وجه الدولة اللبنانية عندما سعت إلى إعادة النازحين الى بلادهم،حتى بعدما توقفت الحرب في العام 2015، بذريعة إنتفاء الحل السياسي وعدم الاطمئنان إلى نيات النظام السابق حيال العائدين. واليوم ترى المفوضية أن ثمة خوفا لدى النازحين من العودة إلى سوريا لأن الوضع الجديد ليس مستقرا،ولأن الوضع فيها يلفه الغموض. يعني أن لبنان يدفع ثمن هذا النزوح في مده وجزره،و” على الطالع والنازل.”
ثمة أمر آخر، هناك مئات العائلات الإيرانية التي منحت الجنسية السورية في زمن النظام السابق والتي لجأت إلى لبنان على اثر سقوط النظام، ما زاد مسألة النزوح تعقيدا. وكان هذا الموضوع الطبق الرئيس على طاولة اللقاءات بين كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري،وزير الخارجية عبدالله بو حبيب،ومدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري،ونائب وزير الخارجية الايراني للشؤون القنصلية والبرلمان وحيد جلال زاده. فهل ثمة حل لهؤلاء أو يبقون حيث هم أعدادا مضافة في ملف النزوح؟ الموقف الللبناني بطبيعة الحال فإن الموقف اللبناني الرسمي، واضح وقوي ولا يحتاج إلى شرح أو تبرير، من كل الطروحات التي تتناقض مع الدستور،والقوانين المرعية، والمنطق وخصوصية المجتمع اللبناني وهويته . فرئيس الجمهورية العماد جوزف عون المتمسك بالدستور الذي اقسم عليه بعيد انتخابه لن يقبل بتحويل صفة الفلسطيني في لبنان من وضعية اللاجيء إلى وضعية مقيم بصفة مواطن مجنس، انطلاقا من مقدمة الدستور في البند (ط) الذي يحظر التوطين ويجعله في مرتبة واحدة مع التجزئة والتقسيم. كذلك،فإنه يرفض بشكل مطلق تحويل النزوح السوري من وضعية المؤقت إلى وضعية الدائم. وكان رده على كلام غراندي واضحا في هذا الشأن .ولكن هل يستطيع لبنان المنهك بفعل الاعتداء الاسرائيلي المتمادي، وانقساماته السياسية الأفقية والعامودية، وازماته الاقتصادية والمالية، وتحدياته الاجتماعية، من الثبات في وجه العواصف المتتالية؟ وهل ستكون الحكومة العتيدة من الصلابة بما يمكنها من رفض اي عملية فرض تعاكس مصلحة لبنان وتمس عمق تركيبته؟ وتجدر الإشارة أيضا إلى الموقف الفلسطيني سواء من السلطة والتنظيمات والحركات المعارضة لها، الرافض للتوطين والتهجير. وذلك من دون التقليل من أهمية الموقف العربي المتمثل باجتماع القاهرة الاخير بين وزراء خارجية فلسطين ومصر والسعودية وقطر والإمارات والاردن. لكن السؤال يبقى هل يمكن أن يؤسس هذا الموقف لنواة صلبة يمكن أن تتسع، ويشتد عودها، في مواجهة ترامب ومخططاته؟