العناوين الكبرى لمؤتمر وطني…وملفات إعادة البناء للحكومة؟

جوزف القصيفي


ليس المطلوب تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون برلمانا مصغرا يتبثق من المجلس النيابي، فتنتقل صراعات الكتل اليها، وتعمها التجاذبات على إيقاع مصالح هذه الكتل وتسابقها على الوزارات ” الدسمة”،اذا أردنا الخروج من منطق الحقائب :” السيادية”،” الخدماتية” و” الثانوية”. لكن المطلوب بالطبع حكومة تتمتع بتمثيل واسع ووازن لتستطيع نيل ثقة كبيرة تمكنها من الانطلاق بقوة لتنفيذ ورشة عمل إصلاحية كبرى يحتاجها لبنان في كل المجالات. وهذا ما يعمل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة المكلف الدكتور نواف سلام على تظهيره خلال الثمانية والأربعين ساعة المقبلة، أو قبل هذه الفترة بحسب سير الاتصالات المكثفة الجارية. وسيحاول كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف إختيار شخصيات من ذوي الاختصاص معروفة بقربها من الكتل النيابية على إختلاف هويتها الحزبية من دون أن تكون مندمجة بهذه ألاحزاب، بمعنى ألا يكون الوزير ممثلا للحزب او التيار الذي سماه في وزارته، بل مشاركا في صوغ القرارات السياسية وبرامجها،على أن يكون أداءه في خدمة كل لبنان وكل اللبنانيين وليس لفئة منهم. هذا هو الامتحان الذي ينتظر الحكومة العتيدة، لذا يتوقع المواطنون أن يشكل تأليفها صدمة إيجابية. وثمة أمر في غاية الاهمية تسير في موازاة ولادة الحكومة، هو كيفية التعاطي مع عناوين أساسية تتصل بمستقبل لبنان وردت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في خطاب القسم، وهل أن الحكومة هي من تتصدى لها؟ هناك من يرى أن على الحكومة اللبنانية أن تقوم بمسؤولياتها كاملة خصوصا لجهة العمل على إقرار إستقلالية القضاء، وتحقيق الإصلاح الاداري، مواكبة عملية إعادة الاعمار والإشراف عليها،حل قضية الودائع بايجاد الوسائل الناجعة لاعادتها إلى اصحابها من خلال آلية تحفظ الحقوق وتوفرها ولا تقضي على القطاع المصرفي، ضبط الهدر في الصناديق والمجالس التي تعمل بهامش واسع من الحرية التي تبلغ حدود الاستنسابية،وما بعد بعد الاستنسابية، وايلاء الشق الاجتماعي والصحي ألاهتمام الذي يشعر الناس بانهم في دولة رعاية، لا جباية فحسب. أما في ما يتعلق بعناوين كبرى اوردها الرئيس جوزاف عون في خطاب القسم، فإن ثمة ملفات خلافية بين الافرقاء، وتتفاوت النظرة إليها بين طرف وطرف، وهي كانت دائما ولادة للمشكلات والانقسامات، وأن الاتفاق عليها يبني قاعدة استقرار متينة ودائمة، أو على الاقل، طويلة الأمد. من هذه الملفات: أ- الاتفاق على استراتيجية دفاعية . وصوغ مفهوم موحد للامن القومي أو الوطني لأن انتفاء وجود مثل هذا المفهوم، هو وراء ما يشهده لبنان من خلافات مدمرة أحيانا. ب- موضوع الحياد الايجابي : تحديده، الهدف منه، ابعاده،دراسة جدواه، وخريطة الوصول إليه. ج- إستكمال تنفيذ ما لم ينفذ من إتفاق الطائف ليكتمل البناء الدستوري للدولة، المستوحى من وثيقة الوفاق الوطني. وفي ضؤ ما يخلص اليه هذا الاجراء يبحث في تعديلات ممكنة مطلوبة من أجل تحصين الطائف وتحريره من الشوائب التي تعتوره. إن هذه العناوين المفتاحية الكبرى ستكون اكبر من طاقة حكومة بمفردها تنتظرها ورشة مرهقة لاعادة بناء الدولة بعملية قيصرية مضنية، الأمر الذي قد يدعو رئيس الجمهورية إلى عقد مؤتمر وطني جامع يضم القوى الممثلة في الحكومة وغير الممثلة، والقيادات الروحية ووجوها من المجتمع المدني والباحثين الدستوريين والقانونيين والاجتماعيين والسياسيين،من أجل البت في الملفات التي لا بد من اي تشكل الرافعة الأساس لدولة الغد التي يطمح إليها ابناؤها. وذلك بمواكبة من المجلس للنيابي والحكومة بالطبع لأن عليهما ترجمة ما يتفق عليه عمليا من خلال إصدار القوانين والمراسيم اللازمة. إن الأمن القومي والسياسة الخارجية طالما كان سببا رئيسا للاهتزازات الدائمة في لبنان، خصوصا عندما تتسلل الخلافات إلى هذه الدولة المعقدة التركيب وتتغلغل في مفاصل حياتها السياسية مخلفة الانقسامات والتوترات. مرة جديدة هناك فرصة…وهناك أيضا الأمل بالتقاطها…من أجل رؤية جديدة، ووضع اكثر ثباتا.