يا رب! ” يا حمل الله ! ” أنت تعلم بالطبع، ولكن أحبُّ أن أُردِّدَ لك اليوم أنَّ هذا الإنجيل قد أثَّر فيَّ كثيرًا، حيث يشير إليك يوحنا المعمدان، وينضَمّ إليك تلاميذك الأوّلون.
لقد تأمَّلتُه، فسَّرتُه، أنشدتُه ومثَّلتُه بدونِ كَلَلٍ أو ملل، له عندي طَعم الأبديّة .
يوحنا المعمدان، يا للشّاهد! لم يَخشَ مِن أن يجد نفسه وحيدًا، ولم يتشبّث وهو يُفكّر، بحنين، بكلِّ ما حقَّقه، وبأنَّ سواه سيستفيد منه. ولكن، لا تَقَوْقع، لا أنانية. فقد جاهَرَ بإيمانِهِ بك: “هو ذا حمل الله !” ما يعنيه ضمناً “ماذا تنتظرون لتسرعوا نحوه ؟”
حينَ أضعُ نفسي مكانه، أقول في ذاتي:
من أكون أنا تلميذك ؟
ما أنا سوى المُدَرَّجِ الذي يساعد على تسلُّق السّلم.
ما أنا سوى الصوتِ المنادي في صحراء هذا العالم.
ما أنا سوى محطة على الدّرب الذي يؤدي إليك.
لا بُدَّ لي من أن أصغر لكي تَكبُرَ أنتَ في قلبِ مَن استطاعوا أن يكتشفوك ويتعرّفوا اليك من خلالي . آهٍ ما ألذَّ يوحنا المعمدان ! يجب أن يُنصب شفيع كُل المسؤولين عن جماعة: من قداسة البابا، إلى المطران الأب الرئيس أو الأمّ الرئيسة، رئيس دير أو رئيسة دير، الكاهن، أب، أو أمّ عائلة، المربّي …
ألا يختصر دورنا بأن نقود إليك مَن هُمْ في عُهدتِنا من دون تردُّد أو من دون ندم أو حساب؟
يا لفرح القلب إذا تبعك الجميع! وما الهَمّ إن تخلّى الجميع عنّا، وإن وُجِدْنا وحيدين، الأهم هو أن نؤدّي رسالتنا، وقد نَشَرْنا عدوى الرّغبة لاتِّباعِك والتَّفرُّغِ لخدمتك.
ترك “يوحنا وأندراوس”، يوحنا المعمدان وتبعاك. وأظهرا عن إخلاصِهما لروح مُعلِّمهما. ويستمرُّ اتّحادهما به بفضل النور الحقيقي الذي هداهما إليه، وهو أنت بالذّات.
ما الّذي يحدث ؟
أنت سائرٌ في طريقِك، وقد تخطّيت التّلميذين.
لقد تناهى إلى مَسمَعِهِم الكثير الكثير عنك. أتصوّر أنّهما على شيء من ذلك، سارا بمحاذاتك، أنت لا تتوقّع إلا هذا:
“الخجل، مع رقّة القلب، بذل الجهد للإنطلاق” …
لا نتبع أحداً إلا لندخل على اتِّصالٍ معه. وباتِّباعِهِما لك أقدما على بذل الذّات، على الإلتزام.
يا لِرقَّتِكَ ولطافَتِكَ ! تُوفِّر عليهما الإرتباك لبدء الحديث.
تَلتَفِت وتقفُ أمامَهُما. تُقدِّمُ نفسَك تجاوباً مع مسعاهما للإلتزام. تحقِّق اللّقاء وجهاً لوجه، هذا اللّقاء الذي سيشكّل سعادتنا الأبدية معك.
“ماذا تريدان؟”
ستطرح هذا السؤال، على مريم المجدليّة بعد قيامتك، ولكن بطريقة مختلفة، تريد أن تسمعنا نُعبِّرُ شخصيًا عن أعمق رغباتنا .
لقد ألهَمَهُما الروح القدس، بأنَّهُما وجدا غاية مسعاهما، ومن يَصبُوانِ إليه بكلِّ كيانِهِما.
“ماذا تريدان؟” لا شيء سواك أنت.
“رابّي، أين تقيم؟”
إنّهما يرغبان في أن يُقيما معك، أن يتأمّلاك ويمتلئا من نورك .
أتَتْ إجابتك مُرحِّبةً. لا تُحدِّد لهما عنوان سكن، أنت تَدعوهما ليتبعاك حتى نهاية الدّرب “هَلُمّا فانظرا!” وكانت الساعة نحو الرّابعة بعد الظهر، فتبعاك. وأقاما معك طوال الليل، يرتويان من كلامك وصمتك، ويتلمّسان أضواء أشعّة ألوهيّتك. وقد عَلِما من شهادة يوحنا المعمدان لك، أنَّك النور، الحق القادر وحده على أن ينتزع ظلمات الخطيئة. وسيتشرّبان منك طوال هذهِ الساعات.
لا يهمّنا المكان حيث التقيتَ بهما، يُمكنني أن أجدَك في صمت الجبال، أم في ضجيج المدن. أنت حاضرٌ في أعماق قلبي. يكفيني أن أُقيمَ فيه لِأُمسي في حضرتك. وما أن أَمثُلَ في حضرتك حتى تُغيِّرني كليًّا. ولا يُمكنني أن أحتفظ بسرّ الإتحاد بك، بل يتوجّب عليّ أن أكشِفَ للآخرين، عن فائق السعادة لأن أمثل معك وأقيم فيك، وأُصْبحَ للحال رسولاً. هذا ما حدث لأندراوس، فلم يتوانَ وبلَّغ أخاه سمعان عن فرادة الإكتشاف، وهتَفَ من دونِ أن يُخفي غِبطَته: “لقد وجَدْنا المسيح”.
لِنُصَلِّ:
يا رب، أضرم قلبي برغبة القيام ساعاتٍ بالقرب منك، لأمتلىء منك، وأسكُبَ على العالم سعادة العيش فيك، بك ومن أجلك.
” انشاللَّه القمحة اللي انزَرَعِت بقلوبنا تموت وتنمى وتزهّر محبّة”
تأمّلات روحيّة من كتاب الإنجيل في صلاة للأب منصور لبكي.