جبران منشرحٌ في عليائه ومثلـُه المعلّم

جبران منشرحٌ في عليائه ومثلـُه المعلّم

حبيب شلوق

للمرة الأولى منذ 12 عاماً يلفني فرح غير مضبوط، إذ أشعر بأن الصديق جبران إبن “المعلم” اختلجـت نفسه في عليائه، لأن عدالة السماء تحقّقت هذه السنة. وجبران منشرح هناك ومثله أستاذ غسان الأكثر ألماً من الجميع.

ولكن المحرّض واحد أو أكثر، شخص أو جهة. والحقد واحد مهما تعدّد المحرضون. وهذا واضح وقد لا يكون عند المنفذ حقدٌ شخصي. هو أداة وقراره ليس في يده، وعلى الأرجح أُرسِل مُخَدّراَ وينفّذ أوامر، إذ مَن يملك تلك الإرادة والقساوة ليقتل شاباً في حجم جبران و”كاريسما” جبران وطلة جبران ونجومية جبران؟

يومها كنت في إحدى الوزارات أتابع بعض شؤون بلدتي التي كنت خلالها نائباً لرئيس بلديتها ، عندما سمعت دوياً راح يتردد بعدها أنه حصل في أعالي المكلس واستهدف جبران تويني النازل من منزله في بيت مري إلى “النهار” .

للوهلة الأولى قلت بردة فعل عفوية ليس هو، فجبران في باريس مستنداً إلى أنني كنت في الليلة السابقة مداوماً في “النهار” حتى الثالثة فجراً، ولم يمر جبران علينا لدى عودته من الخارج كما هي العادة ، وهو أمر مستغرب، إذ غالباً ما كانت “النهار” قوته اليومي وآخر مَن يودّعه قبل أن ينام في منزله الوالدي في بيت مري.

ولكن ظني خاب وإذا بجبران انتقل من المطار إلى بيت مري مباشرة.

كان جبران ذاك الأخ والحبيب.

والمرة الثانية التي صدمني فيها الأغتيال عندما اتصل الأستاذ غسان تويني من الخارج وطلب من السنترال أحداُ يعطيه معلومات عن جبران “الحيلة والفتيلة”، وتهرّب كثر من ” النهار” عن الرد، الأستاذ فرنسوا عقل والياس الديري ومروان حماده وغيرهم، ووقعت القرعة علي إذ “مافي بالميدان إلا حديدان”، قالت لي صباح (زين ) الموظفة في الجريدة، بمفعول أمر:”إحكي مع الأستاذ” ، وحوّلت الإتصال فجـأة وفاجأني المعلّم :”إيه حبيب… بقي شي من جبران؟!”

كان السؤال الأكثر إيلاماً و”شو بدّك تحكي؟!

رديت بعدما أدركت أنه عرف :” الله يرحمه أستاذ إيه فيه الجثة”.

وعاد وسألني:” وأين الجثة؟ أنا جايي”.

ورديت على المعلم “:”في أوتيل ديو”.

لكن حملة شعواء شُنّت علي إذ قال لي أحدهم بلهجة زجرية: “كيف بتخبر الأستاذ؟” ورددت بعفوية:”أنا أعرف علاقتي مع الأستاذ ولولا ذلك لما أحالوه علي، إذ رأتني إدارة تحرير “النهار” الوحيد في هذه الظروف الجدير بالحديث معه عن إبنه الوحيد “.

جبران نم قرير العين فنحن ساهرون عنك وعليك”.

وأنت أيها القاتل والمحرّض، نحن وجبران وغسان مؤمنون وإيماننا يرفض الحقد ولكن هل لنا ألا ننسى، ونحزن كثيراً على “كابي” والحاج نقولا الفلوطي وأندريه مراد …

الحقد يرفضه الإيمان ولكن الذاكرة شيء آخر .وغسان بعد رحيلك كان يموت كل يوم. ونحن كل مَن عرفك في “النهار” والعائلة وأبناء الأعمام والأهل والأقرباء والأصدقاء وكل لبنان، لا نزال نبكي منذ 12/12/2005 …