صفحات مطوية من أمس قريب وبعيد(47 ) صفير: “قصر المهاجرين” و”ما بَقْشْ تِحرِزْ”(1)

صفحات مطوية من أمس قريب وبعيد(47 )
صفير: “قصر المهاجرين” و”ما بَقْشْ تِحرِزْ”(1)

حبيب شلوق
حصل خلال اليومين الأخيرين تداول لكلام البطريرك مار نصرالله بطرس صفير مأخوذ من الأرشيف من دون ذكر كاتبه”.
وكل شيء عن القديم يمكن أخذه من أحد الأماكن المسماة أرشيفاً أو مراكز معلومات أو إعلام … يعني سرقة.
ورحم الله مَن كتب ووثّق.
وقصة “أين يقع قصر المــهاجرين هذا”؟ كاملة وغير منقوصــة، أرويها من ألفها إلى يائها ومَن يريد أن يؤرشفها فليفعل، وأنا شاهد لها قالها البطريرك رداً على سؤال بعد عودته من جولة أوروبية في خريف 2003 شملت 7 دول أوروبية هي إيطاليا وفرنسا وسويسرا والمانيا وأسوج وبريطانيا وبلجيكا، والتقى خلالها أمراء(بينهم الأمير فيليب زوج ملكة بريطانيا اليزابيت في قصر باكنهام ، ورؤساء ومسؤولين منهم الرئيس جاك شيراك وغيرهم كثراً)، فضلاً عن أبناء الجاليات اللبنانية. وأنا رافقته كما في كل رحلاته.
كذلك رافقه في هذه الجولة الأوروبية عدد من المراسلين الإعلاميين والمصورين من Lbc وMtv وFuture .
والزيارة “أزعجت” سوريا ورئيسها بشار الأسد، والدائرين في فلكهما ومنهم الحُكم اللبناني برئاسة العماد إميل لحود وأجهزته الاستخباراتية والأمنية بكل فصائلها وقادتها العائشين على فتات خبز النظام السوري.
وكان للسوريين وأتباعهم في لبنان من مسؤولين وأجهزة تأثيرهم في الأسئلة التي وُجّهت إلى البطريرك في المطار.
ففي حضور ممثل رئيس الجمــهورية آنذاك اميل لحود ( على الأرجح مدير المخابرات جورج خوري )، كان حوار صحافي في صالون الشرف في مطـــار بيروت الذي بناه الرئيس كميل شمعون، فسئل البطريرك حرفياً وقد وثقتها في “النهار”: “أنت زرت كل دول الإنتشار شرقاً وغرباً و في الأميركتين وأوروبا والدول العـــــربية، فمتى ستزور “قصر المهاجرين”؟ فرد مبتسماً وبسرعة بديهة لافتة :” أين يقع قصر المهاجرين هذا؟” وعندما قيل له مع إصرار:” في سوريا . متى ستزور سوريا؟” رد بحنكة عتيقة وبجواب يحمل أكثر من مغزى وبلكنة كسروانية محبّبة وضحكة عريضة: “أَبـَقاشْ تِحرِزْ”.
ماذا كان يقصد البطريرك التاريخي فهل لأنه بلغ عتياً أم لأن النظام السوري بدأ رحلته الأخيرة؟
كان البطريرك صفير يتحمّل الممارسات السورية حتى انسحبت القوات الإسرائيلية من لبنان (25 أيار 2000)، وعندما صار الإنسحاب كان نداء المطارنة الموارنة الشهير في (إيلول 2000) وفيه:” انسحبوا من لبنان”. وهو نداء وموقف حملهما (من 13 شباط إلى 25 آذار 2001 ) إلى الولايات المتحدة وكندا في رحلة استمرت 43 يوماً وكنت أواكبه (كتبت خلالها 45 مقالاً في “النهار” و” الأوريان لو جور”)، وإلى المنتشرين وأصحاب القرار في الدولتين، وكان الهم السوري هو الأبرز وموضوع “الفطور والغداء والعشاء”، بل الطعام الرئيسي طوال تلك الرحلة “مادامت اسرائيل انسحبت ولم يعد لسوريا مبرراً للبقاء”، وكان نداء المطارنة الموارنة في 20 أيلول 2000 الذي طالب بانسحاب القوات السورية الوجبة الرئيسية في كل لقاء وكل مأدبة.
وكما في الولايات المتحدة الأميركية وكندا كانت سوريا المادة الدسمة (ما دامت اسرائيل انسحبت) منذ بداية الإحتلال السوري في كل لقاءات صفير اينما جال، وهي أسفار بدأت مع درع التثبيت في الفاتيكان عام 1986 ، إلى كل العالم (رافقته في 50 رحلة على الأقل).
وبعد العودة كان كتاب لي سميته “طريق العودة”.
عودة ماذا ؟
القارئ يستنتج.
وكان الأكثر توقيعاً في وقته.
لكن الأهم أن البطريرك صفير كان واضع الحجر الأساس للإنسحاب السوري من لبنان وأتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليكون “الضربة القاضية” لهذا الإحتلال.
يبقى أخيراً للتاريخ أنني كنت مع البطريرك في إحدى أسفاره عام 2005 وكانت تظاهرة حاشدة في 14 آذار وحرص السيد جو روفايل (j. R ( الذي كان يقلنا في طائرته إلى أوروبا وهناك ننتقل إلى طائرة أخرى، أن يحلق في فوق بيروت، مرات لنرى الحشود في مناسبة اغتيال الرئيس الحريري.
والزيارة “أزعجت” سوريا ورئيسها بشار الأسد، والدائرين في فلكهما ومنهم الحُكم اللبناني وأجهزته الاستباراتية والأمنية بكل فصائلها وقادتها العائشون عل فتات الخبز السوري.
الحلقة 2: لن أزور سوريا.